عاد الرئيس باراك حسين أوباما إلى البيت الأبيض بعد زيارة للمنطقة ليخلف وراءه حالة من الإحباط وخيبة الأمل وتنبؤ بسنوات عجاف قادمة. كان هذا هو موقف العرب من محصلة زيارة الرئيس الأميركي. كما أن تصريحاته ومقولاته كانت أقل من التوقعات بل لم تقترب من تصريحاته القوية تجاه المستوطنات في القاهرة قبل سنوات. بل كان مؤسفا أن يطالب أوباما الرئيس محمود عباس بالعودة إلى المفاوضات دون شرط تجميد المستوطنات، وكان هذا توجهاً يتطابق مع رؤية الحكومة اليمينية المتشددة. لقد أثبت لنا أوباما بما لا يدع مجالاً للشك معادلة ثابتة تكمن في أنه قد يرحل رئيس أميركي ويأتي آخر، لكن تبقى إستراتيجية السياسة الأميركية الخارجية من الركائز التي لا تتأثر بتفوق حزب أو فوز مرشح، فالمسألة هنا هي اختلاف على الوسائل والآليات والتكتيك ليس إلا، بينما تبقى نظرة الحزبين للملفات الخارجية متقاربة إن لم تكن متطابقة. غير أن المضحك المبكي هو في أن العرب قد اعتادوا الرهان على هذا الرئيس أو ذاك مع موسم الانتخابات الرئاسية على اعتبار أن هذا التغيير سيدفع حتماً باتجاه تأثيره على قضايانا في المنطقة. وهي بلا ريب نظرة تفاؤلية غير أنها لا تمت للواقع بصلة وأثبتت عدم جدواها في تجارب سابقة. ولعل تفاعلهم يعود ربما لتأثرهم بمضامين خطب وتصريحات هذا المرشح أو ذاك. مع أن خطب وتصريحات المرشحين كما أعتقد ويتفق معي كثيرون إنما تُصاغ لأهداف انتخابية بحتة، أما السياسات التي تصاغ عند تولي كرسي الرئاسة، فترسمها موازين قوى ومصالح تتحدد وفقاً لمفهوم يختلف بالضرورة عن منطق وأساليب الحملة الانتخابية. تبين واضحاً أن إسرائيل هي العمق الاستراتيجي لأمريكا في المنطقة وأن الواقع المستجد سواء بمسألة السلام أو الربيع العربي أو تنامي تدخلات إيران وبرنامجها النووي العسكري وخيار الضربة النوعية، كل هذا يطرح ويعالج وفق المصلحة المشتركة بين البلدين.ولذلك يقال في الكواليس إن الزيارة إنما جاءت لامتصاص الغضب العربي إزاء جمود البيت الأبيض تجاه عملية السلام وان الهدف الرئيس كان للتنسيق حول إيران وان ثمة ضوءاً أخضر لإسرائيل في المضي قدما في ضرب طهران. على أي حال، خيبة أمل تجاه ما فعله أوباما وخضوعه لضغوط نتنياهو ناهيك عن الانقسام الفلسطيني الفاضح ما بين فتح وحماس الذي أضر بالقضية في الساحة الدولية. على أن من استمع لأوباما في زيارته الأولى للمنطقة وخطابه في جامعة القاهرة يكاد يجزم بأنه شخص مختلف في فترته الثانية، وان ما طرحه من وعود والتزامات وتأكيدات يبدو أنها قد تلاشت. لكن الطرح الموضوعي لو ارتهنا للمنطق هل يمكن لأوباما أن يغير شيئاً أم انه مقيد بإستراتيجية ومصالح هي أكبر من إرادته وقدراته. هناك من يعتقد بأن واشنطن تنظر إلى المنطقة من أربع زوايا هي: الإمداد النفطي ،الإسلاميون، إيران وإسرائيل. ورغم أن أوباما استطاع أن يوهم الكثيرين في أنه منعزل ولا يحبذ الدخول في حروب خارجية، إلاأنه مع ذلك فهو لا يمانع بأن يرسخ سياسة معينة تتمثل في أن غيره من اللاعبين الآخرين يقوم بالحرب نيابة عن الولايات المتحدة. وفي هذا السياق صدرت حديثاً عدة كتب تتناول السياسة الأميركية الخارجية ومدى قدرتها على التعاطي مع المتغيرات الجديدة في موازين القوى على المسرح الدولي. ومن هذه الكتب كتاب صدر لديفيد اجناتيس بعنوان" أميركا والعالم:محادثات حول مستقبل السياسة الخارجية الأميركية" يحاور فيه المؤلف، خبيرين ضالعين في الشؤون الأميركية وهما زيجنيو بريجنسكي وهو ديمقراطي ومحاضر وكان مستشاراً للأمن القومي إبان إدارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر، والآخر برنت سكوكروفت وهو جمهوري وجنرال وكان مستشاراً للأمن القومي في إدارتي فورد وبوش الابن. يتفق الخبيران أنه من الضروري بمكان ومن أجل تحقيق المصلحة الأمريكية فانه لابد من فتح قناة حوار مع القوى والدول المعارضة للولايات المتحدة، ويعتقدان بأهمية التوصل لحل الصراع العربي - الإسرائيلي وهو ما سينتج عنه تغيرات جوهرية في المنطقة. إذن دعوة الخبيرين تتلخص في حاجة واشنطن لمراجعة سياستها الخارجية وان تُكيف نفسها مع البيئة الدولية الجديدة. غير أنه اتضح وبلا مواربة أن إدارة أوباما الثانية تطرح شعارات وليست قادرة على تبني حل الدولتين بجدية بدليل عجزها عن إيقاف الاستيطان الإسرائيلي الذي يقضي عملياً على حل الدولتين فضلاً عن ضغطها على الفلسطيينين بعدم الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة إسرائيل على الاحتلال والاستيطان بصفتهما جرائم حرب. ويبدو أنه ستنتهي فترة أوباما الثانية وستنتهي معها محطة الآمال. والحقيقة أنه لا أحد ينكر في أن لواشنطن تأثيراً واسعاً في قضايا المنطقة، غير أن هذا الوضع لا يعني أن يستسلم العرب، ويكونوا مجرد تابعين سلبيين منفذين لما يُطلب منهم. فهذا أمر لا يمكن القبول به، ويتنافى حتى مع مفهوم العلاقات الدولية. وهو ما يحتم على الأنظمة السياسية العربية أن تُعيد النظر في علاقتها بالولايات المتحدة وذلك بان تُصر على الندية والاحترام المتبادل. صفوة القول على واشنطن إن كانت فعلاً حريصة على تحسين صورتها أن ترتهن لمبادئها، والقيام بسياسة متوازنة وعادلة، وليست منحازة وداعمة لإسرائيل، واحترام خيارات الشعوب وحماية حقوقها لأن تحقيق كل ذلك يكفل لها حماية مصالحها. *نقلاً عن صحيفة "الرياض" السعودية ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
مشاركة :