«الاقتصاد التركي» يصارع طواحين الهواء والأزمات السياسية تعصف به

  • 5/23/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

وضعت التقلبات الأخيرة في قيمة الليرة الاقتصاد التركي في دائرة الاهتمام مرة أخرى، حيث تشير التحليلات إلى عدد من القضايا الاقتصادية المُتأزمة، معظمها تلك المتعلقة بالسياسات المحلية أو الإدارة الاقتصادية، والتي قد تكون مسؤولة عن استمرار الأزمة الاقتصادية في تركيا. وتتزايد التوترات الاقتصادية في تركيا في ظل مخاطر ممارسة الأعمال التجارية، والمناخ الأمني المضطرب في تركيا، وهو ما دفع البلاد إلى حالة ركود، بعد أن عكست توسعًا اقتصاديًا لا يصدق في ظل النمو الكبير وانخفاض معدل البطالةـ فيما نما إجمالي الناتج المحلي للبلاد بمعدل 7٪ تقريبًا كل ثلاثة أشهر منذ أواخر عام 2009. وهم الإصلاحات تفاقمت النظرة المستقبلية السلبية للاقتصاد التركي مع استمرار البلاد في الانزلاق إلى الديكتاتورية، بعد أن أمرت الحكومة التركية بتجميع الانتخابات البلدية في إسطنبول، وألغت فوزًا للمعارضة ضد الموالين للرئيس رجب طيب أردوغان. وتحاول حكومة أردوغان بشكل يائس إغراء المستثمرين بالتدفقات النقدية لتعزيز الاقتصاد وزيادة النمو مع محاولة معالجة جراح أزمة الليرا، ويأتي اليأس من حقيقة أنّ احتياطيات البنوك المركزية انخفضت بشكل كبير في الشهر الماضي بمقدار 5 مليارات دولار، مما ترك احتياطيات البنوك المركزية الفورية عند 26.9 مليار دولار فقط، ومن ثمّ يشعر المستثمرون بقلق من أن تركيا لديها التزامات بدفع 118 مليار دولار في الأشهر الـ 12 المقبلة. ومؤخرًا، وعد أردوغان بالإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، لكنّه قدم مثل هذه الوعود من قبل. ويقول الاقتصاديون: إنّ حكومته تتلاعب بالأعراض ولا تعالج المشكلات الأساسية. ويشمل ذلك الاعتماد المفرط على الائتمان الأجنبي، والكثير من الأموال التي تنفق على مشاريع البناء وليس على المدارس والجامعات بغرض إنتاج قوة عمل أكثر مهارة. أزمات مُتتالية وهبطت الليرة التركية إلى أدنى مستوى لها منذ أزمة العملة في العام الماضي، ويقترب التضخم من 4 أضعاف الهدف الرسمي، وضعف العملة المصحوب بمزيدٍ من التضخم يُزيد من تكلفة دفع ديون الشركات التركية، ومعظمها بالدولار واليورو. وحتى قبل أن تتخذ السلطات التركية الخطوة الاستثنائية المتمثلة في التراجع عن فوز المعارضة والدعوة إلى انتخابات جديدة لرئيس بلدية إسطنبول، أنفقت الحكومة مليارات الدولارات لدعم عملة البلاد المتضائلة على مدار العام الماضي ودعم مرشحيها. ولكن منذ الأسبوع الماضي، بينما تُزعج الاضطرابات السياسية المستثمرين، تكاد الحكومة التركية تنفق في بعض الأحيان مليار دولار في اليوم، لدعم الليرة، وذلك دعمًا للعملة للحفاظ على النمو شبه المنكسر الذي تُحققه تركيا على مدار السنوات الأخيرة. وحتى إذا كانت الحكومة قادرة على تجنب الأزمة الاقتصادية قبل الانتخابات الجديدة، المقرر إجراؤها في 23 يونيو المُقبل، فإن الكثيرين يخشون من أن الإنفاق المسرف سيزيد من احتمال حدوث انهيار قد يتجاوز تركيا بشكل كبير، حيث تمتلك البنوك الأوروبية المليارات من الديون التركية. وفي العام الماضي، فقدت الليرة 30% من قيمتها، وانخفض العملة بنحو 14% منذ بداية العام الجاري وحتى الآن، مما ألحق الضرر بالأعمال التجارية التي تتعامل بالليرة ولكنها تقترض بالدولار. والليرة المتراجعة هي علامة على أن المستثمرين الأجانب يتراجعون في تركيا؛ حيث تتأثر الشركات والبنوك التركية التي تقدر ديونها بالدولار بشكل حاد، وبالتالي يصبح من الصعب دفعها مع انخفاض قيمة الليرة. وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه البنوك التركية إلى تحويل ما يصل إلى 45 مليار دولار في شكل قروض يجب دفعها بالدولار، وفقًا لتقديرات Fitch. أزمة الغذاء ويُعدّ التضخم المُرتفع، مشكلة اقتصادية خطيرة أخرى لم يتم تطبيق حل صحي لها في تركيا، بعد ارتفاعه بسرعة بعد أزمة الليرة. ففي أكتوبر الماضي، سجل مؤشر أسعار المستهلك أعلى مستوى له عند 25.24٪ والذي كان الأعلى في 15 عامًا. على الرغم من الإجراءات الجذرية لحكومة أردوغان، إلا أنها انخفضت إلى 19.71٪ في مارس الماضي على أساس سنوي. ولتضخم هو الأكبر في الغذاء، وخاصة الفواكه والخضراوات، نتيجة لذلك، قررت الحكومة اتخاذ بعض الإجراءات المتعلقة بالتدابير المضادة، بدءًا من إزالة الرسوم الجمركية على الخضراوات، مما ألحق أضرارًا جسيمة بالمنتجين المحليين، وهدد الشركات التي لديها مخزون كبير من الخضراوات في مستودعاتها لإجبارها على البيع بأسعار السوق الفرعية. بالإضافة إلى ذلك، استوردت الحكومة كمية هائلة من هذه الخضراوات وبدأت بيعها بخسارة من خلال خيام بنيت في الشوارع بحصة للشخص الواحد، والتي انتهت في مشاهد مثل فنزويلا وألمانيا الشرقية. ولولا تلك السياسات غير المستدامة المناهضة للتضخم، سيكون التضخم أعلى بكثير من البيانات المنشورة. وعلى المدى البعيد، فإنَّ هذه التدابير المضادة التي لا تؤدي فقط إلى المنافسة من الجهات الأجنبية التي تعمل بشكل أفضل ولكن أيضًا تقوض بشكل مباشر القدرة التنافسية للشركات المحلية، مما يضر بتوقعات أعمال الشركات المحلية وتدفع تركيا أكثر إلى وضع العجز التجاري وما يترتب عليه من انخفاض آخر في قيمة الليرة. كذلك يُعتبر التضخم بحد ذات تأثير سلبي على الشركات التركية، مما يضاعف المشكلات في أسواق رأس المال التي بدأت بسبب أزمة ليرا، وهو ما يؤدّي بالتبعية إلى تسريح العمال بشكل كبير. تراجع الاحتياطات كذلك تراجع صافي احتياطيات البنك المركزي منذ سبتمبر حيث سعت الحكومة إلى تعزيز الليرة. وبلغت احتياطيات العملات الأجنبية 74 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، بانخفاض قدره 5% عن فبراير السابق، وفقًا لأرقام البنك المركزي. وقال بارت هورديك، محلل السوق في شركة مونكس أوروبا، وهي شركة لتجارة العملات، في مذكرة للعملاء الأسبوع الماضي: «يبدو من المشكوك فيه ما إذا كان صندوق الاحتياطيات الأجنبية في تركيا قويًا بدرجة كافية لمقاومة أي شيء يشبه حتى غامضة هجوم العملات». والأهم من ذلك، منذ مارس الماضي، يقول المحللون: إنهم وجدوا تباينات في أرقام البنك المركزي حول حالة الاحتياطيات الوطنية، وفقًا لسيلفا ديميرالب، أستاذ الاقتصاد بجامعة كوك في إسطنبول. ويشكّ بعض المحللين في أن الحكومة تقوم بتحويل الأموال إلى البنوك العامة، التي تبيع الدولارات لدعم الليرة. وفي بيان صدر في 30 أبريل الماضي، قال البنك المركزي: إنَّ الانخفاض في مخزونات العملات الأجنبية كان مؤقتًا، وأن الاحتياطيات ستتعافى لأن الليرة الأرخص جعلت العطلات في تركيا والصادرات التركية أكثر جاذبية. ووصف أوغور جورز، المحلل الاقتصادي الذي عمل في البنك المركزي في التسعينيات، تصرف الحكومة بأنه «سياسة مستترة». وأشار البروفيسور ديميرالب إلى هذا الفعل لم يسبق له مثيل بأن تخفي الحكومة أفعالها بهذه الطريقة، قائلًا: «إنهم يريدون خلق انطباع بأن الليرة قوية بما فيه الكفاية». وقال البنك المركزي: إنه سيستمر في استخدام كل الوسائل المتاحة له لتحقيق استقرار الأسعار، واعدًا أيضًا بأن ينخفض التضخم إلى 5.4% في نهاية عام 2021. ومع ذلك، فإنَّ بعض علامات الانهيار الاقتصادي واضحة بالفعل، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع القروض المتعثرة وإفلاس الشركات. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو انهيار ثقة المستثمرين الأجانب، وهو ما يظهر بوضوح في الانخفاض في قيمة الليرة. الأزمة الأمريكية فرضت الإدارة الأمريكية بالفعل عقوبات على تركيا. وفي أغسطس من العام الماضي، ضاعف الرئيس ترامب التعريفات على الصلب والحديد التركي من أجل الضغط على الحكومة التركية للإفراج عن القسّ الأمريكي الذي تمّ فصله بسبب اتهامات تتعلق بالانقلاب الفاشل الذي حدث في عام 2016. وبعد الإعلان عن العقوبات، هربت رؤوس الأموال وفقدت الليرة التركية نحو 20% من قيمتها، ومن أجل وقف هذا التدهور، اضطر البنك المركزي التركي إلى رفع أسعار الفائدة الأساسية من 13.5% إلى 17.25% ثم إلى 24%. وكانت تلك هي بداية الاختلاف السلبي لتركيا عن اقتصادات الأسواق الناشئة الأخرى. وفي الوقت الحاضر، كان الخلاف بين البلدين حول صفقة تركيا لشراء أنظمة الدفاع الجوي S-400 من روسيا؛ حيث تريد الولايات المتحدة من تركيا شراء صواريخ باتريوت الأمريكية الصنع بدلًا من ذلك، لكنها ترفض نقل المعرفة التكنولوجية. وفي المُقابل تهتم تركيا أكثر بتطوير قدرتها العسكرية وإنهاء اعتمادها على الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى في هذا الشأن. ووفقًا لذلك، تحولت تركيا إلى S-400s الروسية الصنع بسبب عنصر نقل التكنولوجيا في الصفقة. وبدورها أوقفت الولايات المتحدة مبيعات طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى تركيا على الرغم من أن تركيا استثمرت مليار دولار في المشروع. ومن ثمّ تفرض مثل هذه العلاقات غير المستقرة مع الولايات المتحدة العديد من العقبات أمام الاقتصاد التركي، ولهذا السبب يتردّد المستثمرون في العودة إلى تركيا على الرغم من ظروف الاستثمار المواتية بعد الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة والأصول التركية تدريجيًا.

مشاركة :