بدت بيروت، أمس، في استراحة ما بعد الزيارة البالغة الأهمية التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري لموسكو وما قبل المحطتيْن البارزتيْن لرئيس الجمهورية ميشال عون أولاً في نيويورك حيث سيترأس وفد لبنان الى الجمعية العامة للأمم المتحدة ويلقي كلمته الأسبوع المقبل، قبل أن يتوجّه في 25 الجاري الى باريس للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. وفيما كانت غالبية الأوساط السياسية في بيروت تتعاطى مع نتائج زيارات الحريري لكل من واشنطن ثم باريس قبل موسكو حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين على أنها وفّرتْ «حزام أمان» دولياً للبنان حيال أي تسويات لأزمات المنطقة ولا سيما الحرب في سورية على حسابه، سواء من خلال عدم تفكيك «القنبلة الموقوتة» التي يشكّلها نحو 1.5 مليون نازح سوري يستضيفهم أو عبر تكرار تجربة «الوصاية السورية» عليه (بين 1990 و 2005) بعنوانٍ إيراني هذه المرة، فإن البُعد الأبرز لمحادثات رئيس الحكومة في روسيا تمثّل في حجْز دورٍ للبنان في مرحلة الحلّ بسورية وتحديداً من بوابة إعادة الإعمار انطلاقاً من موقعه الجغرافي، وسط تقارير أفادت عن شركات مختلطة لبنانية - روسية ستساهم بمسار الإعمار. ولم يكد الحريري يصل بيروت حيث شارك أمس في جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها عون، حتى أثير «غبارٌ» وضعته أوساط سياسية، عبر «الراي»، في سياق محاولة توظيف هذه الزيارة بأبعادها الاستراتيجية في سياقاتِ رغبة «حزب الله» وحلفائه في تكريس الربْط المبكّر للبنان بتطبيعٍ مع النظام السوري كترجمةٍ لمسار «الموازين المختلّة» لمصلحة المحور الإيراني حالياً عوض أن تكون أي استعادة للعلاقات الرسمية من نتائج الحلّ السياسي النهائي المرتقب في سورية، بما سيعكسه من توازنات اقليمية ودولية سعى الحريري مسبقاً الى وضع لبنان على خطّها، وخصوصاً عبر ما خلصت إليه لقاءاته في موسكو التي تُعتبر «ضابط التوازنات» في سورية الجديدة. وكان لافتاً في هذا السياق محاولة قريبين من النظام السوري ربْط أي أدوار مستقبلية للبنان في إعادة إعمار سورية بالتنسيق الاستباقي معه، في مقابل نفي وزير الاعلام ملحم الرياشي، قبيل جلسة الحكومة، ان يكون الرئيس الروسي طلب من الحريري التطبيع مع النظام السوري لحل مسألة النازحين وإدراج لبنان على لائحة إعمار سورية، مشيراً الى «ان بوتين أكد ألا استثمار لما يحصل في سورية على حساب لبنان»، وذلك في ملاقاة لما نقلتْه تقارير عن بوتين من انه أكد «حرص بلاده الشديد على الاستقرار والتوازن في لبنان». ولم تغب زيارة الحريري لموسكو عن مداولات مجلس الوزراء الذي حضرتْ فيه أيضاً الملفات الساخنة التي أفرزتْها الأيام الماضية ولا سيما انطلاق التحقيق في أحداث عرسال 2014 على خلفية ما كشفه مسار نهاية «معركة الجرود» مع «داعش» من ان التنظيم الإرهابي أعدم آخر ثمانية عسكريين كانوا ما زالوا أسرى لديه منذ وقوع تلك الأحداث وتمّت استعادة رفاتهم، كما تردّدت على الطاولة أصداء إلغاء المهرجان الذي كانت دعت إليه وزارتا الدفاع والسياحة أمس في وسط بيروت إحياءً لانتصار الجيش على «داعش» في الجرود. وفي مستهل الجلسة حاول عون التخفيف من «الوهج» السياسي لمطالبته بفتح تحقيقٍ بأحداث عرسال سرعان ما اتّخذ منحى تصفية حساب مع رئيس الحكومة آنذاك تمام سلام وقائد الجيش حينها العماد جان قهوجي، إذ قال «إن عملية فجر الجرود حققت أهدافها لجهة تحرير الارض والكشف عن مصير العسكريين الشهداء». وعرض لبعض المواقف التي صدرت حول هذه العملية ولا سيما بعد طلب التحقيق، مؤكداً أن «التحقيق بدهي وضروري وواجب»، مستغرباً لـ «بعض المواقف التي تحاول اغراقه في مستنقع السياسة»، ومشدداً على أن «التحقيق عسكري ولا يستهدف أحداً وهدفه معرفة ما حصل وطمأنة اهالي الشهداء وإبعاد الحديث عن الثأر». من جهته، تناول الحريري نتائج زيارته لموسكو، مشدداً على التعاون الذي حرص الروس على إظهاره مع لبنان في المجالات الاقتصادية والزراعية والسياحية. واشار الى «حماسة الجانب الروسي للاستثمار في مجال الطاقة»، موضحاً ان البحث تناول ايضاً التعاون في المجال العسكري، ومؤكداً أن «قيادة الجيش ستتولى التواصل مع الجانب الروسي للبحث بالتفاصيل». وإذ جزم أن «أهداف معركة فجر الجرود تحققت بأقلّ خسائر ممكنة والسلطة السياسية تابعت العملية بدقة والجيش نفذها بحرفية»، دعا «لوقف الجدال الذي يتناول بعض ملابسات هذه العملية»، مؤكداً «وحدة الحكومة التي تحقق الثقة»، ومطالباً بـ «عدم العودة الى الخلافات السياسية التي سادت بالأعوام الماضية».
مشاركة :