هل الأدب نوع من الترفيه؟ بقلم: محمد حياوي

  • 9/15/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

التمييز بين الترفيه والأدب يعتمد بدرجة أكبر على الفصل التعسفي بين الإشباع الفوري والإشباع طويل المدى كظاهرتين مختلفتين للحاجات الإنسانية.العرب محمد حياوي [نُشر في 2017/09/15، العدد: 10752، ص(14)] هل الأدب في نهاية المطاف مجرد ترفيه؟ هذا السؤال سبق وأن طرح على طاولة النقاش وأثار العديد من الرؤى المتفاوتة، إذ غالبا ما يفهم الترفيه على أنّه وسيلة لتخفيف الملل الناتج عن روتين الحياة اليوميّة، أي بعبارة أخرى شيء ليس ضرورياً جدّاً، لكنَّه خيار ما من الخيارات البسيطة أو المتاحة، ما لم يكن لدينا شيء أفضل نقوم به. فالبعض يقرأ كتاباً لمجرد أن أصدقاءه قرأوه، وهو خيار يمكن استبداله بسهولة في مشاهدة برنامج تلفزيوني أو قضاء سهرة مع الأصدقاء أو التعرّف إلى أشخاص جدد وما إلى ذلك. وإذا كانت التفسير على هذا المنحى، فأنّ الأدب يدخل ضمن وسائل الترفيه، حتى لو كان هذا الترفيه مرتبطا بالمعرفة والمعلومات وعوالم الخيال. لكن البعض يعدّ الفن بشكل عام والأدب بخاصّة، منتجا إنسانيا جديرا بالاهتمام وأعمق بكثير من مجرد وسيلة للترفيه، على الرغم من أنّ الكثير من البشر يستخدمون القراءة كنوع من تسريب الضغوطات أو مسكنات الإجهاد. وفي الواقع فأن عدداً قليلاً من الفلاسفة فهموا تلك العلاقة على هذا النحو، وسعوا إلى ردم الهوة بين الأدب أو الفن الراقي والفنون الهابطة. وحسب أفلاطون فإن التأمّل في الجمال هو في نهاية المطاف ما يجعل الحياة تستحق العيش. كما أنّ العواطف الشخصية والمتعة الجمالية تفاعل أعظم بكثير من التأثير الذي يخلّفه تداول السلع الأخرى، وهو ما تدعو إليه الفلسفة الأخلاقية عموماً. يقول فريدريش شيلر، الفيلسوف والكاتب المسرحي المعروف، في هذا الشأن، “من خلال الجمال يستطيع المرء إيجاد طريقه إلى الحرية”. وإذا أخذنا ما يعتقده هؤلاء المفكرون والفلاسفة العظماء بشأن الجمال والجمالية على محمل الجدّ، سيصبح لدينا سبب وجيه للشك في أن تقديرنا للفنون لا يمكن، بل ينبغي ألّا يقتصر على مجرد الترفيه. لكن على الرغم من ذلك، فأن الأمر مقتصر فقط على أولئك الذين يكلّفون أنفسهم عناء البحث ومعرفة كيفية القراءة، وإلّا فإن الأمر سيفشل حتى في عملية الترفيه، كونه سيكون مملاً للغاية. وهناك وسائل أسهل بكثير من الأدب والفن لتحقيق الإثارة التي يمكن العثور عليها في السوق. فالمعروف عن الأدب الحقيقي أنّه يسبب عدم الراحة والألم أحياناً، وهو منتج غريب وصعب، ويحضرني هنا قول سبينوزا “كل شيء جيد هو شيء صعب ونادر وبعيد المنال”. وحتى إذا كان الأدب هو محاولة اختيارية للمشاركة في تجربة الكاتب وما يقترحه من عوالم ورؤى خيالية (وليس الترفيه)، فإنّ الشيء المهم الذي ينبغي ذكره هنا هو أنّ من يعتقد بأنّ الأدب يوسّع المدركات العقلية لدى البشر ويساعدهم على فهم أشياء وأفكار جديدة، فإن مثل تلك الفائدة المرجوّة منه، يمكن أن نجدها أيضا بواسطة قراءة التاريخ أو دراسة الكيمياء وحساب التفاضل والتكامل وغيرها من المجالات التي تتطلب تركيزاً عقلياً وفهم ما هو ليس بديهيا أو تلقائيا. ربّما يعدّ البعض الأدب في نهاية المطاف مجرد ترفيه، استنادا إلى بعض التصورات المتناقضة التي ذكرتها، لكنه في جميع الأحوال ترفيه مفيد بشكل لا يصدّق. وأعتقد أن التمييز بين الترفيه والأدب يعتمد بدرجة أكبر على الفصل التعسفي بين الإشباع الفوري والإشباع طويل المدى كظاهرتين مختلفتين للحاجات الإنسانية. وفي المحصّلة، فأن الكتابة بطريقة أو بأخرى، هي في الأساس وسيلة للترفيه لكل من الكاتب والقارئ. إذا ما غضضنا الطرف عن المعاناة والآلام التي يعاني منها الأول، والتحفيزات العقلية والخيالية التي يحصل عليها الثاني بفعل القراءة. كاتب عراقيمحمد حياوي

مشاركة :