الثقافة التلفزيونية والأدب بقلم: محمد حياوي

  • 2/18/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتطلب العمل على كتابة رواية جيدة أو معرض للفنون التشكيلية أو فيلم سينمائي، أشهرا طويلة وربما سنوات من منتجه، ناهيك عن حجم الاجتهاد والمعاناة اللذين يبذلهما في مثل تلك الأعمال الإبداعية.العرب محمد حياوي [نُشر في 2018/02/18، العدد: 10904، ص(14)] يستهين الكثير من المشتغلين في مجالات الإعلام المختلفة بالثقافة وتنمية المدارك والاطلاع على التجارب الإبداعية، مثل قراءة الروايات والكتب السياسية ومشاهدة الأفلام وحضور معارض الفنون التشكيلية، وهو الأمر الذي يبرر الكثير من ملامح الضعف والاهتزاز في شخصياتهم وهزالة لغتهم وفقر حضورهم وفقدانهم لدافع التطور والارتقاء بوعيهم وأدواتهم، طالما أن وسائل الإعلام التي يشتغلون فيها لا تطالبهم بذلك، بسبب افتقارها هي الأخرى للرؤية الإبداعية ومفهوم المنافسة والتطور في مجال تخصصها. يتطلب العمل على كتابة رواية جيدة أو معرض للفنون التشكيلية أو فيلم سينمائي، أشهرا طويلة وربما سنوات من منتجه، ناهيك عن حجم الاجتهاد والمعاناة اللذين يبذلهما في مثل تلك الأعمال الإبداعية، لينتظر في المحصلة رأيا نافعا، ليس بالضرورة نقديا، من المثقفين الآخرين العاملين في مياداني الثقافة والإعلام والميادين الأخرى، كونهم الشريحة الأقرب إلى المبدع والأكثر تقديرا وفهما لمنجزه، قبل الشرائح الأخرى، لكن حجم انتشار الأمية الثقافية المريع الذي يتمتع به الغالبية العظمى من المشتغلين في الإعلام “التلفزيوني” يحول دون مشاركتهم في الحياة الثقافية العربية واكتفائهم بالقراءة الارستقراطية إن جاز التعبير، مثل قراءة كتب الأبراج وقراءة الطالع والطبخ وبعض كتب الفضائح، ومثل هؤلاء لا يعنيهم من فاز بجائزة نجيب محفوظ هذا العام أو أي الروايات حققت أكثر مبيعا أو ماذا كتبت الغارديان عن رواية محسن الرملي بطبعتها الإنكليزية ولا نيويورك تايمز عن رواية “فرانكشتاين في بغداد” بطبعتها الإنكليزية أو لماذا فازت ليلى سليماني بجائزة الغونكور. لكن في المقابل تجتهد قلّة نادرة ومتقدمة الوعي من العاملين في الوسط الإعلامي والتلفزيوني تحديدا، من أجل مواكبة الأحداث الثقافية وملاحقة الإصدارات الجيّدة وحضور معارض الكتاب التي تقام هنا وهناك في العديد من العواصم العربية والحرص على مشاهدة أبرز الأفلام العربية المرشحة للمهرجانات. ويهمني هنا أن أنوه بمجموعة من الأصدقاء الإعلاميين من هذه الفئة الصغيرة التي تبعث الأمل في النفوس، هؤلاء الذين عودونا باستمرار على القراءة الواعية وإبداء الرأي العميق بما يقرأون وسعيهم الدائم لاقتناء الإصدارات الأدبية الجديدة ومواكبة المهرجانات السينمائية والمسرحية، ومن هؤلاء الإعلامي اللبناني حسين جرادي وحضوره اللافت في معارض الكتاب وإصراره على اقتناء أغلب الإصدارات الروائية والشعرية الجديدة، والإعلامي المصري خالد منصور صاحب البرنامج الثقافي الأشهر ليالي قناة النيل الفضائية وقدرته الفذّة على القراءة والتحليل النقدي، والإعلامية الجزائرية فضيلة الفاروق من التلفزيون العربي وحرصها الدؤوب على حضور معارض الكتاب واقتناء ما تيسر لها من الإصدارات الأدبية والكتابة عنها والاحتفاء بها، وآخرون كثيرون من أمثال الإعلامية التونسية سماح قصدالله من الإذاعة التونسية والإعلامية العراقية زين سليم من قناة الحرة والإعلامي المغربي عبدالإله الصالحي من راديو مونت والإعلامي العراقي سعد المسعودي من تلفزيون العربية والإعلاميان المتميزان السوداني عمر عبدالرازق والعراقي شاكر حامد من إذاعة الـ”بي بي سي”. إن طغيان الطابع الاستهلاكي المباشر على عمل أغلب المحطات التلفزيونية والإذاعية في عالمنا العربي، ليس مبررا بالنسبة لحشد الإعلاميين الكبير من العاملين في تلك المحطات لإهمال هذا الجانب الثقافي والمعرفي المهم في ما يتعلق بحضورهم وإكمال شخصيتهم الإعلامية وتدعيمها والدور الذي يمكن أن يلعبوه في الترويج للآداب والفنون الأخرى، لأن تلك مسؤولية أخلاقية وطنية قبل أن تكون معرفية، كي لا يقعوا في خانة الثقافة السطحية الساذجة ويسهموا من دون وعي منهم في زيادة الشقة بين جمهور المتلقين من القرّاء ومنتجي التجارب الإبداعية المتميزة. كاتب من العراقمحمد حياوي

مشاركة :