أحلام الطفولة البريئة

  • 9/17/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

عندما كنت صغيراً كنت أعتقد أنني سأصبح رجل أعمال ناجحاً؛ كثير الثروة، أمارس الأناقة في جميع تفاصيل حياتي، أن أحمل دائماً حقيبة من الجلد وألبس طقماً خاطه خياطي الخاص، ومعطفاً متناسقاً مع ذلك الطقم، أحرص دوماً على أن يكون نعلي أسود لامعاً! أضع شتاءً رداء من الصوف حول رقبتي وقفازاً من الجلد أسود، وصيفاً قميصاً قصيراً وسروالاً كلاسيكياً ونظارة شمسية سوداء قد تتنوع، وقبعة من النوع الفاخر، فأنا لا أحب تغطية رأسي ما لم يكن شيئاً مميزاً وأصلياً، وأن تكون لي مساعدة أو مساعد لا يهم! فقط من أجل البريستيج والمنظر العام، لا أتعامل بالنقد خشية انتقال المرض إليّ، أستخدم فقط بطاقتي البنكية أو دفتر شيكاتي، أن تكون علاقتي مع أي شخص علاقة مهنية أجني من ورائها أموالاً، ويأخذ هو استشارتي في ميدان البورصة وأسواق المال، عليها ختمي وتوقيعي. في زحمة الشوارع التي أمشي فيها، لا أُعير انتباهاً لأي شيء سوى بسمتي وأناقتي ووضوح وجهي المسرور كشروق الشمس في عليائها، أو راكباً خلف سائقي أقلِّب صفحات كتاب أو جريدة أو ملف أحد الزبائن. في صندوق السيارة حقيبتان؛ إحداهما تحتوي على عدد من الأطقم والغيارات والأحذية وأدوات الاستحمام؛ خشية أن أسافر فجأةً، والأخرى تحتوي على لباس رياضي أستخدمه إن دعاني أحد كبار سماسرة البورصة للعب الغولف في ملعبه الخاص. كنت أعتقد أنني سأقع في حب مُضيفة جوية ألتقيها عَرضاً في سماء هذه الدنيا على متن طائرة تقدم لي مشروباً، أو أختلف معها على ملكية الحقيبة عند حزم الأمتعة، فتنشأ علاقة الحب تلك من اعتذار أحدنا للآخر. كنت أسأل نفسي ضاحكاً: لكن، لماذا مضيفة! لم لا تكون طبيبة أو معلمة أو ماكثة في بيتك تنتظر قدومك؟! فأجيب نفسي: أحب أن ألتقيها صدفة دون ترتيب، أريدها أن تمارس الأناقة طيلة حياتها؛ لأنها تعمل بشركة الطيران، وإلا فقدت منصبها، أريدها أكثر مني خبرةً في السفر فأنا أحب من يحكي لي عن البلدان والمحيطات والأشجار والجبال، وأوجه الناس كيف يسكنها الهدوء عندما تستقر بهم آلة الحديد تلك فوق طبقات السحاب. والأهم أريد أن ألتقيها كصديقة على جناح السرعة في مقهى أرتشف قهوتي بطعم عينيها المسافرتين، ثم تترك آثار حُمرة شفتيها بحذر على شفتي عندما يصل القطار المتجه إلى المطار. المُضيفة تتعلم أن الأناقة واجبة كوجوب الصلاة، لا تتركها أبداً ما دامت موظفة بتلك الخطوط، كما أنها اعتادت أن تشتري الأشياء التافهة فلا ترضى أن تترك عملها لمجرد ارتباطها برجل تمد يدها إليه لتستمر في شراء تلك الأشياء التافهة، والكثير منهن يعتقدن أن هذه الوظيفة بريستيج أكثر منها شيئاً آخر، فتبحث عن الرجل الذي يسمح لها بممارسة بريستيجها إن تزوجها، وإلا فهي على استعداد للعيش مضيفة مع وقف الزواج. أنا لا أحب هذه الوظيفة لذاتها؛ بل أعتقد أنها وظيفة تافهة، ولكنني أحب من تقوم بهذه الوظيفة للأسباب التي ذكرتها، ولا أعني بالضرورة مضيفات الجوية الجزائريات؛ لأن أغلبهن عوانس. كنت أعتقد أن الماكثات في البيت هنّ أعداء الجمال والموضة، فبمجرد حصول إحداهن على لقب زوجة تتمرد على الحياة والجمال فتصبح بعد مدة تشبه حارس العمارة أو بائع قوارير الغاز، لكنها دون شنب، تتغير أولوياتها رأساً على عقب، وتدخل دوامة الحياة بتفاصيلها التافهة، ثم بعد سنوات معدودة نسأل: لماذا ارتفعت نسب الطلاق في مجتمعنا؟ اليوم كبر ذلك الفتى الصغير ذو الأحلام المزعجة، وما زال يُؤْمِن بأن بعضها سيتحقق يوماً ما! ولكنه كان مخطئاً في بعض تفاصيل أحلامه البريئة.. لا تثريب عليك بُني فالحلم في بلادنا لا نية فيه للشروع في الفعل، احلم كما شئت ثم اهدم أحلامك ثم حاول مرة أخرى، فسنُّ التقاعد ما زالت بعيدة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :