تعمل ممارسة القص واللزق على تعزيز وترسيخ قيم الاتكالية والتواكل في أفراد المجتمع، والتسبب في العجز والكسل والخمول والوهن وإلى الشك والسلبية والتشاؤم؛ ما يؤدي إلى إصابة الفرد باضطراب الشخصية الاعتمادية.. وأسوأ نتائج تطبيقات التواكل والاتكالية تتمثل في تدني القدرة على التفكير والتعلم، إذا استمد الفرد فكره نقلاً من أشخاص استغلاليين أو سلبيين متشائمين، أو من تنظيمات حزبية تتاجر بالدين، جعلت منه مطية؛ لتحقيق أهدافها، على حساب حريته، وتنمية المجتمع، واستقرار الوطن، وتعاليم الدين. تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي بيئة مشجعة وحاضنة لسلوك القص واللزق.. ومن اقتصرت مشاركاته على ذلك في وسائل التواصل، يلاحظ عليه سلوك بعد فترة من تعاطي هذه الممارسة، أن أصبح بعيداً كل البعد عن الإبداع والابتكار والتحليل المنطقي، لأنه قد أخضع نفسه لثقافة أشد فتكاً من السموم، حينما جعل من دماغه أوعية تتلقى الغث والسمين، وسمح للنفايات الثقافية أن تستقر فيه، ليصبح لقمة سائغة يتناغم مع خانة الاستهلاك؛ كالوجبات السريعة الغثة، يهضمها وهو مدرك أن لها مضاراً صحية تؤدي به إلى الهلاك. الحزبية والفئوية بدورها هي الأخرى ساهمت بتجنيد عناصر تعزز وتنشر ثقافة القص واللزق والاتكالية بين أفراد المجتمع، كونها تبرمج جماهيرها على التسليم من دون نقاش وتفكير، فقيمة الفرد عندهم لا علاقة لها بكفاءته وذكائه، وإنما بمقدار ما يسمع ويطيع، وفقاً لما يتوقعونه منه، ليكون متعطلاً عن الوصول إلى المرحلة المعرفية، وممتنعاً من الانتقال إلى التفكير المستقل المحايد والموضوعي، لأن الفرد من جمهورهم قد تمت برمجته بأن يستمد منهم الدعم والتوجيه والقوة، التي لا يجدها في ذاته، وبهذا يسهل على قيادات الحزبيين السيطرة على جمهورهم وإدارتهم. يقع الفرد في مزاولته القص واللزق بالدوران مع دوامة إعادة تكرار نقل الرسائل، التي تؤدي بالفرد إلى التسطيح وتبلد الأذهان، وتفريغ طاقته الإبداعية والإيجابية، ليصبح بعدها مستهلكاً، انسحابياً، سطحياً، اعتمادياً، فاقد الشخصية، مستسلماً ساكتاً عن الحق، يمارس الإسقاط كمخرج ليبرر ضعفه وذله وخنوعه واستسلامه على شماعة الآخر، ومنقاداً لفكر هدام يزعزع الثقة في المسلمات والتشكيك بها، مستبطناً مشاعر المظلومية والعنف. إن ما يكتبه أو يختاره المرء من رسائل ومقاطع، ليعبر فيها عن آرائه الشخصّية ومواقفه وذوقه لها من الدلالة بما يكفي لتكشف عن مناطق خفية من نفسيته ومزاجه، وتفسر جانباً عن شخصيته، وسيرته الحياتية العلمية والعملية، وتشكل خلاصة أو جزءاً أساسياً من تاريخه وقيمه ومبادئه.. فأحسنوا اختيار أفضل وأصدق ما يمكن أن تعبروا به عن أنفسكم.حجاج بوخضور
مشاركة :