مهرجان الجونة السينمائي بقلم: أمير العمري

  • 9/20/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

الأفلام المصرية نفسها أصبحت تنتج للعرض في عطلتي عيد الفطر وعيد الأضحى، ومهرجانات السينما التي تنجح في جذب جمهور عريض، يجب أن يتوفر لها أولا مناخ للاسترخاء، يتمتع فيه المقيم والأجنبي بحرية الحركة والانتقال والسهر.العرب أمير العمري [نُشر في 2017/09/20، العدد: 10757، ص(16)] بعد يومين تفتتح الدورة الأولى من مهرجان الجونة السينمائي الذي أسسه ويرأسه رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس وشقيقه سميح ساويرس. وهذا أول مهرجان سينمائي دولي من نوعه يقام في مصر بجهود رجال الأعمال وبأموالهم دون الحصول على أي دعم مالي من الدولة. أحكمت الدولة القائمة في مصر قبضتها على مؤسسات الإعلام المملوكة، ثم امتدت قبضتها إلى أجهزة الإعلام الخاصة المملوكة لأصحاب رؤوس الأموال، وكان المهندس نجيب ساويرس، قد حاول القيام بدور عملي في مجال العمل السياسي من خلال تأسيس حزب سياسي ليبرالي عرف نجاحا أوليا كبيرا، لكن سرعان ما تدخلت “جهات خفية” بهذا الحزب فأدت إلى وقوعه في وهدة الصراعات الداخلية الشرسة ثم الانقسام والتشرذم والتلاشي عمليا من الساحة. حاول ساويرس أيضا بعد انتفاضة يناير الشعبية في 2011 القيام بدور في التأثير على الرأي العام من أجل ترسيخ مفهوم المواطنة والدولة الوطنية، ومواجهة قوى سياسية رجعية كانت تسعى بكل شراسة لترسيخ فكرة “الدولة الدينية”، فأسس ودعم شبكة تلفزيونية متميزة قوية. لكن ما إن تمكنت السلطة الجديدة التي ترسخت بعد 30 يونيو 2013 من القبض على مفاصل الدولة، إلاّ ووجد ساويرس نفسه مرغما على التخلي عن ذراعه الإعلامية. لم ينعزل ساويرس “المسيحي” داخل “الغيتو” القبطي كما يفعل الكثير من أقباط مصر، فأسس كيانا ثقافيا ينظم المسابقات الأدبية والفنية ويمنح الجوائز للمتفوقين، إيمانا منه بأن دعم الإبداع يقوي من القدرة على مواجهة الإرهاب. وسيفتتح ساويرس مهرجانه السينمائي في منتجع الجونة، متطلعا للقيام بما عجزت عنه الدولة عبر أكثر من أربعين عاما، بعد أن أصبح مهرجان القاهرة السينمائي يوشك على أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولم تعد تجدي معه المسكنات نفعا خاصة بعد أن تم بنجاح كبير إغراق الجنيه المصري بدعوى “تعويمه”، وارتفاع أسعار الطيران والفنادق وشركات النقل وغيرها. ساويرس رصد أكثر من أربعة ملايين يورو لمهرجانه، وأعلن أنه سيستقبل أكثر من 700 ضيف للإقامة لمدة ثمانية أيام في المنتجع السياحي البديع الذي أنشأه شقيقه في بقعة ساحرة على ساحل البحر الأحمر. ولكن هل يصمد مهرجان الجونة وهو يتم زرعه قسرا في تربة غير ممهدة أصلا لاستقبال مهرجان سينمائي حقيقي؟ لا يوجد في الجونة جمهور يمكن أن يشاهد الأفلام، وليس من المتوقع أن يجذب المهرجان السياح الأجانب، فالسائح الأجنبي لا يأتي إلى مصر لمشاهدة الأفلام في القاعات المظلمة، ومصر التي عرفت صناعة السينما منذ أكثر من مئة عام، لا توجد فيها سوق حقيقية لتوزيع الأفلام، الأجنبية أو العربية، وبالتالي يحجم الموزعون وشركات الإنتاج عن إرسال أفلامهم للعرض العالمي الأول الذي يميز أي مهرجان ويجعله قبلة للمهتمين. إن أقصى ما يمكن أن يحققه المهرجان، تسليط الأضواء إعلاميا على الجونة كمنتجع سياحي لعلها تجذب بعض الزوار العرب والمصريين، أما الحديث عن تنشيط صناعة السينما وجذب الاستثمارات وتنشيط صناعة السينما المحلية وهو الهدف الأسمى لأي مهرجان دولي، فهو ليس سوى نوع من الأوهام اللذيذة. فالأفلام المصرية نفسها أصبحت تنتج للعرض في عطلتي عيد الفطر وعيد الأضحى، ومهرجانات السينما التي تنجح في جذب جمهور عريض، يجب أن يتوفر لها أولا مناخ للاسترخاء، يتمتع فيه المقيم والأجنبي بحرية الحركة والانتقال والسهر، ناهيك عن حرية المنظمين في استقبال وعرض الأفلام ومناقشتها في مناخ مفتوح، فكيف لنا بهذا كله في وقت تتصاعد خلاله أعمال الانتقام والتصفيات وتشويه سمعة الكثير من المعارضين المدنيين، واستمرار الهجوم على جمعيات المجتمع المدني والتضييق عليها، كل هذا في ظل استمرار الحرب على الإرهاب. تلقيت دعوة كريمة من المهرجان اعتذرت عن عدم تلبيتها، أعرف أن المهمة شاقة، لكني آمل أن يتمكن المهرجان من تحقيق ولو بعض طموحاته. ناقد سينمائي مصريأمير العمري

مشاركة :