الفيلم الأميركي أقوى عبارة عن ميلودراما تروى في أسلوب تقليدي سواء في السرد أو الإخراج، مع بعض المشاهد المؤثرة، ويعتمد بدرجة أساسية على الأداء الجيد للممثلين.العرب أمير العمري [نُشر في 2017/10/22، العدد: 10789، ص(16)]هذه أرضنا وكيف يتم إعداد شخصية متطرفة من بين الأفلام التي عرضت في الدورة الـ61 من مهرجان لندن السينمائي اخترنا أن نتوقف أمام فيلمين من بين الأفلام الجديدة الكثيرة التي يتضمنها برنامج الدورة التي شهدت عرض الكثير من الأفلام التي تتناول قضايا ومواضيع تثير الاهتمام تتعلق بما يجري في العالم اليوم. الفيلم الموعود “أقوى” هو الفيلم الأميركي الجديد الذي ينتظر الكثيرون أن ينال عددا من ترشيحات الأوسكار، خاصة جائزة أحسن ممثل لبطله جاك غلينهال، وأحسن ممثلة لبطلته الكندية الشابة تاتيانا ماسلاني، وربما أيضا لجائزة أحسن سيناريو عن أصل أدبي. فكرة الفيلم ليست جديدة، وقد سبق أن شاهدنا ما يماثلها في عدد من الأفلام التي تعتمد على قصص حقيقية من الواقع. في تلك الأفلام تتكرّر الفكرة الأساسية التي تدور حول شخص يصاب في الحرب أو في حادث داخلي عنيف، يصبح بطلا في عيون الجماهير في الولايات المتحدة بعد أن تصنع منه أجهزة الإعلام أيقونة، لكنه يشعر بالإحباط الشديد واليأس ويعاني من نوبات اكتئاب بسبب إصابته وتجربته السيئة مع العاهة/المرض/الإصابة في الحرب، أو كما في فيلمنا هذا الإصابة التي أدت إلى العجز جراء تفجير وقع في نهاية سباق الجري السنوي في بوسطون عام 2013 وراح ضحيته ثلاثة أشخاص قتلوا، وأصيب مئات آخرون، منهم 16 شخصا بترت أطرافهم من بينهم جيفري بومان الذي كتب قصته وصدرت في كتاب بالعنوان نفسه، اقتبس عنه الفيلم الذي أخرجه ديفيد غوردون غرين. أصيب بومان في التفجير الذي وقع قرب خط النهاية حيث كان يقف هناك، يريد أن يكون أول من يستقبل صديقته “إيرين” التي كانت تشارك في السباق وكان يحاول استعادة علاقته التي انقطعت معها. يصوّر الفيلم كيف يؤدي الحادث إلى بتر ساقي جيفري من فوق الركبتين، ثم معاناته فيما بعد العملية ومحاولته التكيّف مع وضعه الجديد، وكيف تقف إيرين معه، تضحّي بعملها وتذهب للعيش معه في منزل والدته المطلقة (تقوم بالدور ميراندا ريتشاردسون). ساهم جيفري في القبض على منفذي التفجيرين بعد أن تعاون مع عملاء المباحث الفيدرالية فقدم لهم أوصافا لأحد الذين قاموا بالتفجير وكان قد شاهده عن قرب وجها لوجه عند نهاية خط السباق. لذلك يصبح جيفري بومان بطلا في أنظار الرأي العام الأميركي، لكنه يرفض هذا ويعتبر نفسه مواطنا عاديا قام بما كان يتعين أن يقوم به لخدمة بلاده.وقوف الحبيبة مع حبيبها يصنع المعجزات تذكرنا شخصية جيفري بومان التي يقوم بأدائها غلينهال، بشخصية جندي المارينز المعاق العائد من فيتنام الذي قام بدوره جون فويت في فيلم “العودة للوطن” (1978) لهال آشبي، وبدور داني داي لويس في “قدمي اليسرى” لجيم شريدان (1989)، وتوم كروز في “مواليد الرابع من يوليو” (1989) لأوليفر ستون، وإيدي ريدمين في “نظرية كل شيء” (2014) لجيمس مارش. وكلها شخصيات لأشخاص تعرضوا للمرض أو لحوادث قاسية، أدت إلى إصابتهم بالإعاقة لكنهم قاوموا وتمكّنوا من إنجاز ما اعتبر من المعجزات، فأصبحوا أبطالا في عيون الجماهير، وصنعت منهم أجهزة الإعلام أيقونات. الفيلم عبارة عن ميلودراما تروى في أسلوب تقليدي سواء في السرد أو الإخراج، مع بعض المشاهد المؤثرة، ويعتمد بدرجة أساسية على الأداء الجيد من جانب غاينهال وتاتيانا ماسلاني، فالاثنان يبدوان منسجمين فيما بينهما، رغم وقوع بعض التعقيدات في الحبكة حينما تخبره إيرين أنها حامل، فيغضب ويثور ويقول إنه لا يمكنه على حالته هذه أن يصبح أبا لطفل صغير. ولكنه يحصل على ساقين صناعيتين يتدرب على استخدامهما إلى أن يصبح قادرا على المشي من جديد ويسترد علاقته بإيرين. رغم أن غلينهال يؤدي الدور ببراعة وإقناع وصدق إلا أنني شخصيا لم أجد أداءه في هذا الفيلم أفضل من أدائه في أفلام سابقة، خاصة فيلم “صرصور الليل” (2014) مثلا، كما أن الفيلم يعاني من بعض الاضطراب في نصفه الثاني مع كثير من التكرار والمبالغات في رسم ملامح الشخصيات الثانوية خاصة شخصية الأم التي تظهر كمدمنة للخمر والتدخين، استحواذية، تشعر بالغيرة من علاقة إيرين بابنها، تتسبب برعونتها في زيادة جرعة المشاكل النفسية لجيفري في حين أنها تريد مساعدته. وفي الفيلم مشهد مفتعل عبارة عن مشاجرة في مقصف بين جيف وشابين حاولا استفزازه بالقول إن قصة بطولته مزيفة، وإنه لم ير شيئا بل اختلق الحكاية كلها.. الخ وهو مشهد زائد لا يضيف شيئا. كما تبدو النهاية السعيدة متوقّعة رغم أنها لا تعكس حقيقة ما حدث، فبعد أن تزوج بومان وإيرين عام 2014 وأنجبا ابنة، انتهت القصة الحقيقية في الواقع بإعلان الاثنين في فبراير من العام الجاري، أنهما بصدد الشروع في إجراءات الطلاق. لكن الفيلم الأميركي لا يحب النهايات السلبية! "هذه أرضنا" “هذه أرضنا” أو “Chez nous” هو الفيلم الفرنسي للمخرج البلجيكي لوكاس بيلفو الذي يناقش بشكل مباشر موضوع التطرف اليميني العنصري في فرنسا، بل ويقدم أيضا شخصية رئيسية في الفيلم هي شخصية السيدة “أنييس دورجيل” زعيمة حزب يطلق عليه “الحزب القومي” في محاكاة واضحة لشخصية مارين لوبان وحزبها “الجبهة القومية” الشعبوي اليميني. ولكن “دورجيل” ليست الشخصية المحورية في الفيلم بل “بولين” الممرضة المستقلة التي تزور المرضى في منازلهم، وهي تنتمي لأسرة من الطبقة العاملة، مطلقة وتعول طفلين، وتقيم بمفردها في هذه البلدة الواقعة في شمال فرنسا.جاك غلينهال قد يرشح عن دوره للأوسكار “بولين” شخصية محبوبة من جميع سكان البلدة فهي تخدم الجميع، لا تكف عن العمل، تدور على المنازل، تساعد المرضى، تقدم الدواء والنصيحة، تشرف على علاج بعض العجائز.. وبين وقت وآخر تتردد على والدها العجوز صاحب التاريخ القديم في العمل اليدوي والنقابي وهو ينتمي للحزب الشيوعي. لكن بولين غير معنية بالسياسة، وإن كانت تشعر بنفور طبيعي من الفاشيين والمتطرفين، تتعاطف مع اللاجئين والمهاجرين، ترتبط بصداقة مع أسرة من العرب، تقف على مسافة واحدة من الجميع، لكنها أيضا تشعر بالوحدة، لذلك فهي تتشبث ببارقة أمل تبدت لها مع ظهور صديقها من أيام الدراسة، وهو “ستيفان” مدرب الكرة الذي يبدو في أول ظهور له في الفيلم قاسيا شديد العنف وهو يسدد الضربات إلى خصمه فوق حلبة الملاكمة، لكن بولين التي لا تكتشف عنفه بعد، تجد فيه رفيقا رقيقا يصلح أن يصبح والدا بديلا جيدا لطفليها. شخصية بولين تجذب الطبيب العجوز المخضرم “فيليب بيرتييه” (أمدريه ديسولييه) الذي يتولى علاج والدها. يدعوها بيرتييه ذات يوم إلى زيارته في مكتبه حيث يعرض عليها الترشح لمنصب عمدة البلدة عن الحزب الوطني الجديد بزعامة دورجيل. إنهم في حاجة إلى شابة جذابة مثلها، تتمتع بثقة الجميع وحبهم، تعرف الجميع ويعرفونها ويثقون فيها، نموذج لامرأة من البورجوازية الصغيرة، ليس لديها تاريخ في العمل السياسي وبالتالي ليس من الممكن تشويهها. تتذرع بولين بأنها غير مهتمة بالعمل السياسي، كما أنها تمتعض من فكرة العمل لحساب حزب يميني يبدو متطرفا على العكس من المبادئ التي نشأت عليها، لكن بيرتييه يقنعها بأن الحزب بعيد عن التطرف، بل يريد استعادة دور فرنسا وإتاحة الفرصة أمام الجميع للعمل والنهوض بالبلاد. وتحت الضغوط والإقناع من جانب بيرتييه والمعاملة الرقيقة الطيبة من جانب السيدة دورجيل، توافق بولين على الترشح لمنصب عمدة البلدة عن الحزب القومي. تجد بولين نفسها بعد ذلك ومعظم من كانوا يعرفونها يتجنبون رؤيتها، تطلب منها ابنة الأسرة العربية ألا تحضر لزيارتهم بعد ذلك، يطردها أبوها ويطلب ألا تعود أبدا لرؤيته، تتعرض لبعض المضايقات من أبناء الطبقة العاملة، تصبح محط اهتمام أكبر من جانب ستيفان الذي لا تعلم أنه ينتمي لجماعة فاشية عنصرية متطرفة تدعى “العصبة”، تنتهج العنف ضد اللاجئين والمهاجرين تحت شعار “هذه أرضنا” ويجب حمايتها من الدخلاء. يشعر بيرتييه بخطورة علاقة بولين بستيفان ويضغط عليه لكي يتركها، مهددا إياه بملفه القديم في العنف، لكن بيرتييه نفسه كان ضالعا في أعمال العنف مع “العصبة” في الماضي لكنه يرغب حاليا في الاتجاه للعمل السياسي والسعي للوصول للسلطة عن طريق الانتخابات، لذلك يحرص على إبعاد ستيفان عن بولين حتى لا يؤثر على صورتها.فكرة الفيلم ليست جديدة، وقد سبق أن شاهدنا ما يماثلها في عدد من الأفلام التي تعتمد على قصص حقيقية من الواقع. في تلك الأفلام تتكرّر الفكرة الأساسية التي تدور حول شخص يصاب في الحرب أو في حادث داخلي عنيف، يصبح بطلا في عيون الجماهير في الولايات المتحدة بعد أن تصنع منه أجهزة الإعلام أيقونة هذه التعقيدات ينسجها ببراعة السيناريو الذي اشترك في كتابته المخرج ديلفو مع جيروم ليروي، لتصبح الأحداث مع تطورها أكثر إثارة ثم تجد بولين نفسها واقعة بين نارين: رغبتها في خدمة بلادها كما تتصوّر استجابة للشعارات الجذابة البسيطة التي تطرحها زعيمة الحزب، وفي الوقت نفسه التشكك فيما يفعله ستيفان خاصة بعد أن يطلعها بيرتييه على ملف مصور لأعمال العنف التي ارتكبها أعضاء “العصبة” ومن بينهم ستيفان. ما الذي سيحدث وهل ستحسم بولين أمرها وتستعيد وعيها وتهجر هذا الحزب الذي شهدت بنفسها كيف يستغلها زعماؤه، بل وكيف يخدعون الناخبين بترويج صورة مزيفة ويستخدمون شعارات وهمية فارغة، كما يخفون عنها -وهي مرشحة الحزب- برنامج الترشح لمنصب العمدة؟ أم ستستمر في السير مغمضة العينين بفعل انجذابها لستيفان ومن ثم دفاعها عنه أمام بيرتييه ورفض تصديق ما يقوله لها عنه؟ ليس مهما ما ستصل إليه بولين البريئة التي تمثل المواطن الفرنسي العادي الذي يمكن استغلاله سياسيا من اليمين، فمن الممكن بالطبع استنتاج ما ستصل إليه مع تصاعد الأحدث وتراكم المواقف الكاشفة في الفيلم، لكن الأهم هو كيف يساهم بناء الشخصيات وتطور الحبكة في الكشف عن الصورة المخيفة لحزب الجبهة الوطنية بزعامة لوبين والآلية التي يتم بموجبها استقطاب الأبرياء البسطاء والإيقاع بهم تحت الشعارات المضللة التي تضع الطبقة العاملة خصما عنيدا أو عدوا للأقليات المهاجرة. يهدف الفيلم للقيام بدور في الصراع السياسي الدائر في فرنسا حاليا وينحاز لفكرة رفض اليمين الذي يخفي فاشيته في طيات الحديث عن “استعادة فرنسا” وإنقاذ “أرضنا”. ولا شك أن ديلفو نجح في تحقيق هذا الهدف استنادا إلى الأداء الممتاز من جانب “إيميلي ديكين” (في دور بولين) و”أندريه ديسولييه” في دور بيرتييه بأدائه الراسخ الممتع ولو في دور رجل خبيث يسعى لتحقيق هدفه بشتى الوسائل دون أي رادع أخلاقي. ناقد سينمائي من مصر
مشاركة :