هل هو (روبن ويليامز) الممثل الكوميدي بحق وحقيق وليس المهرج (الطاشطاشي)؟ أم هو الموت بجلالة قدره، الذي طالما قلنا: إنه (إمام الساخرين)؟! كل يوم وكل ليلة بل كل لحظة تتأنق (المنيَّةُ) وتتبرج وتخرج مائلةً مستميلة في صورة الحلوة (دنيا) أو الفاتنة (حياة)، وتنتقي (صيدها) من بين كل المتيَّمين الذائبين في دباديبها، فتغمز له ليلهث وراءها على نار الحب والهيام واللوعة، وهي تتأبى عليه بغنج وتظل (تتقنصع) وتسوط روحه بضحكاتها الأنثوية حتى يقع تحت قدميها متوسلاً إياها: هات عِينيك تسرح في دنيتهم عِينيَّهْ/ هات إيديك ترتاح لِلَمْسِتْهُم إيديَّهْ... وتعطف عليه أخيراً فتطوقه بذراعيها وتعبث بأناملها الدقيقة الرقيقة بمؤخرة شعره وعنقه و... فجأة تغرس مخالبها في قلبه من الخلف، وقبل أن يفيق من الآهة الأولى تشخص عيناه على مبسمها اللذيذ يكشر عن أنيابها الفاجرة! والمغرق في السخرية أنها تفعل ذلك على مرأى من الملايين الحاسدة الحاشدة التي تتهافت عليها كالفراش المبثوث! أما الزميل روبي فهو كما في فيلمه (Mrs. Doubtfire) ذلك الأب الحنون الذي بذل المستحيل لكيلا يخسر أولاده بعد أن أصرت أمهم على الطلاق، فلم يتردد في تقمص دور العجوز المربية ليظل معهم، وينتهي الأمر بحرمانه منهم قضائياً لاعتبار هذا السلوك جنوناً رسمياً!! وما وفاة روبي (الشخص) ـ اكتئاباً كانت أم انتحاراً ـ إلا النهاية المنطقية لذلك الأب حين يجد نفسه (بعد رحيل العمر) وحيداً بين أربعة جدران، فقد الأولاد والصحة والقوة وطعم المرح، ولسوء حظه يصل إليه بيت الزميل/ طرفة بن العبد: (فإن كنتَ لا تَسْطِيعُ دفعَ مَنِيَّتي * فدعني أُبادرْها بما ملكت يدي) قبل المثل العربي الحديث: (الحيطان ليها ودان)، وإلا لما شعر بالوحدة وظل يفضفض (للجدران) ليدرك أنها أحسن الأصحاب إنصاتاً اسم الله علينا!! أما نحن فنظلم المشاهير مرتين: حين نخلط بين (الشخص) و(المبدع) في حياتهم ونعتقد أن الهالة البدرية هي القمر المعتم نفسه، وحين نختزل نهايتهم بتقرير بوليسي باردٍ يقول: (وجد في شقته منتحراً)!! نقلا عن مكة
مشاركة :