< تنشر مقالتي تزامناً مع الاحتفال بالذكرى المجيدة ليومنا الوطني الخالد، عندما تم إعلان المملكة العربية السعودية، بعد أن تم توحيدها من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، بدءاً من العاصمة الرياض، على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وجنوده الأوفياء أسلافنا الأبطال. طالبت من قبل، وأطالب اليوم وغداً بأن تخلّد ذكرى هذا اليوم بفيلم سينمائي، لتتعرف الأجيال الحالية والمستقبلية على نشأة الوطن وملحمة التوحيد، ولعلني أوضح هنا معلومة يعرفها البعض وليس الكل، وسبق أن كتب عنها البريطاني روبرت فيسك، هي أن الوطن ليس الحكومة، فالوطن أسمى وأكبر من الجميع، وفي كل أنحاء المعمورة لا يختلف اثنان في حب وطنهم، إلا العملاء أو الخونة. أكرر دائماً أن نسمو بالوطن عن خلافاتنا، فكلنا نحبه وهو يضمنا ويرعانا، فلا نزايد عليه. لعل بعض محبي الدراما يتذكرون بعض الأفلام والمسلسلات المصرية التي سلطت الضوء على المساجين أو المعتقلين، وكيفية رد فعلهم عندما حدثت «نكسة 67» أو «حرب 6 تشرين الأول (أكتوبر)»، وكيف تفاعلوا بقوة وحماسة بالغة مع الأخبار عن الانتصارات، والصدمة الكبيرة مع الإخفاقات، بعيداً عن أنهم كانوا معارضين لنظام الحكم آنذاك، أو أن بعض المساجين ارتكب جرائم كبيرة، إنما كل هذا لا يلغي وطنيته. وفي الكويت، لم يجد صدام حسين مواطن أو مواطنة يقبلون أن يتحالفوا معه، حتى من كان من قبل ينظر إليه بكل إعجاب وتقدير بعد الحرب العراقية الإيرانية، فعند حدود الوطن تتلاشى كل الانتماءات الأخرى. أثناء حرب الخليج لتحرير الكويت كانت السفارة الأميركية تتصل بالسعوديين المولودين في أميركا عارضة عليهم المساعدة، وطبعاً هم لا يهمهم إلا أنهم حاملون جوازهم بحكم الولادة، ما يعني وطنهم ليس إلا. دائماً تلتحم المعارضة مع الحكومة، مهما كانت سياستها، عندما تقع حالة حرب، وتحديداً داخل حدود الوطن، فكل خلاف يتوقف حتى تنتهي الأزمة. لم يكن لحرب الخليج إيجابيات، عدا تحرير الكويت طبعاً، لكنها للحقيقة أيقظت في قلوب كثيرين مفهوم الوطن وحبه والهلع عليه، وعندما تعايشنا مع أشقائنا الكويتيين عرفنا لاحقاً كم هي الدنيا رخيصة وكم نحن نعيش أحياناً في مهاترات أو صراعات تافهة، في ظل أن هناك أهدافاً أكبر وأسمى. أعتقد، وهو رأي يتفق معي فيه كثيرون، أنه من الصعب على المرء أن يقبل إهانة وطنه أو خذلانه، وهو بطبيعة الحال يختلف في شكل كبير عن انتقاد لوزارة أو منشأة أو فساد أو خلافه. يحلو لي دائماً أن أتذكر كلمات الرئيس الأميركي الراحل جون كنيدي، عندما قال: «لا تسأل ماذا سيقدم لك الوطن؟ بل اسأل ماذا ستقدم أنت لوطنك؟». كنيدي بطبيعة الحال يعرف أن للمواطن حقوقاً، لكنه يركز على أن الدفاع عن هذه الحقوق أو انتهاكها بأي شكل لا يبرر للمواطن خذلان الوطن أو خيانته، فالوطن باق ما بقي الكون، بينما كلنا ذاهبون. لا بد لنا ونحن نحتفل بهذا اليوم أن نتذكر كل من وضع لبنة لبنائه، وكل من استشهد في سبيل الذود عنه، وكل من أسهم في العمل من رفع شأن وطنه. أتمنى عاماً مقبلاً جميلاً ورائعاً وسعيداً على الجميع، بلا حروب أو خلافات أو نزاعات، متفائلاً بغد مشرق لوطني الحبيب، وصدق الشاعر الكبير أحمد شوقي حينما قال: وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي لا أنسى في الخاتمة الإشارة إلى أن عنوان مقالتي، كما يعرف كثيرون، هي شطر من بيت القصيدة العظيمة التي كتبها المبدع المهندس الدكتور مصطفى بليلة، وشدا ولحنها الراحل الكبير الفنان طلال مداح. abofares1@
مشاركة :