تفيد الأمم المتحدة بوجود 2.9 مليون لاجئ سوري مسجل في دول الجوار الأربع (لبنان والأردن وتركيا والعراق)، إضافة إلى مصر. وبين هؤلاء 1.13 مليون شخص في لبنان وحده. وهذا يشير إلى أن العدد الفعلي قد تجاوز الثلاثة ملايين نسمة. أو هكذا يُمكن قراءة الأرقام المتداولة. ويضاف إلى هؤلاء اللاجئين نحو أربعة ملايين سوري نازح داخلياً. أي أولئك الذين نزحوا من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى داخل سوريا ذاتها. ولا يعتبر تحديد عدد النازحين واللاجئين بالأمر السهل، فالنازحون داخلياً تتغير أعدادهم صعوداً وهبوطاً بصورة يومية. أما اللاجئون خارج البلاد، فقد أضيف لهم غالباً سوريون مقيمون في الخارج لأسباب مختلفة، أو سوريون غير منقطعين عن بلادهم. على الصعيد الكلي العام، ثمة معاناة ومخاطر شتى يواجهها اللاجئون السوريون. وهي ستبقى قائمة حتى يوم عودتهم إلى الوطن. إلا أنه يجب على المجتمع الدولي العمل بكل الجهود الممكنة على تخفيف هذه المعاناة والمخاطر، ولاسيما تلك ذات التداعيات بعيدة المدى، كتعليم الأطفال.. والإعلان عن رقم معيّن للنازحين واللاجئين ليس مسألة تقنية أو فنية مجردة، بل هو مسألة سياسية أيضاً، ذلك أن رفع الرقم أو خفضه يُشير إلى واقع معين، له توصيفه الأمني والسياسي الخاص. وقبل ذلك الميداني المباشر. وهنا تحديداً، تُطرح قضية الاستثمار السياسي لغواية الأرقام والمؤشرات الحسابية. وما إذا كانت البيانات المعلنة قد جرى توجيهها في الأصل لتحقيق أغراض سياسية محددة. وعلى الرغم من ذلك، فنحن أمام وضع استثنائي في المجمل، فهناك حالة إنسانية ذات طابع كارثي، تجلت بهذا النزوح البشري الكبير داخلياً وخارجياً. والذي هو في الأصل ناجم عن تدهور أمني، أولدته ظروف الاقتتال العسكري المديد، وغياب الحلول السياسية الواقعية للأزمة القائمة. وتعتبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين جهة أساسية في العمل الإنساني والإغاثي للنازحين واللاجئين السوريين. وهناك أيضاً عدد كبير من المنظمات الإنسانية الدولية العاملة داخل سوريا، والتي تأتلف الآن فيما يُعرف بالمنتدى الإقليمي السوري للمنظمات غير الحكومية الدولية. وهذا بالطبع فضلاً عن الجمعيات الخيرية السورية، التي يُقدر عدد فروعها حالياً بالمئات. وهذه الجمعيات كانت تتركز تقليدياً، كما هو معروف، في كل من حلب ودمشق، إلا أنها أضحت اليوم منتشرة في مختلف المدن والأرياف. على صعيد دور المفوضية السامية، تمارس هذه المفوضية أنشطتها من خلال 425 موظف، يعملون في سبعة مكاتب، جرى افتتاحها في كل من دمشق، حمص، حلب، الحسكة، طرطوس، والسويداء والقامشلي. وكان مكتب القامشلي قد أفتتح للتو، في 20 تموز يوليو من العام 2014، وهو آخر مكتب يجري افتتاحه للمفوضية حتى اليوم. وفي دول الجوار الأربع ومصر، هناك ما يزيد على 150 منظمة تُعنى بشؤون اللاجئين السوريين، من بينها وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية، وحركة الصليب الأحمر/ الهلال الأحمر، والمنظمة الدولية للهجرة. وعلى الرغم مما سبق ذكره من حضور كبير للمنظمات الإنسانية، المحلية والدولية، فإن ظروف النازحين واللاجئين السوريين لاتزال بعيدة عن كونها جيدة، أو تتمتع بالحد الأدنى من المقومات. وهذا عائد أساساً إلى ضعف التمويل، وعدم انسجامه وحجم المهام الكبرى الملقاة على العمل الإنساني. تشير الأمم المتحدة، إلى أنه في طليعة التحديات التي تواجه اللاجئين السوريين، تأتي مسألة توفير المأوى والمسكن، الذي يكفل سلامة الأسر، ويضمن قدرتها على تحمل العوامل المناخية المختلفة. وقد أنشئ في العام 2013 خمسة عشر مخيماً جديداً في أنحاء المنطقة، هي عبارة عن سبعة مخيمات في كلّ من تركيا والعراق، ومخيم واحد في الأردن. وعلى الرغم من ذلك، يفوق عدد اللاجئين الذين يعيشون خارج المخيمات بنسبة كبيرة عدد من يعيشون فيها. إنهم يزيدون على 82% من إجمالي اللاجئين السوريين. وتتراوح هذه النسبة بين100 بالمائة في مصر ولبنان، و 60 بالمائة في العراق وتركيا. وبالأرقام المطلقة، هناك حوالي 860 ألف لاجئ سوري يعيشون حالياً خارج المخيمات، في مآوٍي متهالكة في الغالب، في عموم دول المنطقة الخمس، سابقة الذكر. وإضافة لقضية المأوى، تبرز مسألة التعليم كتحدٍ آخر يواجه اللاجئين السوريين في مختلف دول تواجدهم. وحالياً، تضم المدارس الرسمية في دول الجوار ومصر نحو350 ألف طفل سوري. وتشير الأمم المتحدة إلى أن معدلات الالتحاق بالتعليم بين الأطفال السوريين منخفضة للغاية على مدار العام، في كافة البلدان المضيفة للاجئين. ووفقاً لبيانات المنظمة الدولية، فإن ما يزيد على 100 ألف طفل سوري في الأردن لم يلتحقوا بالتعليم النظامي. وقد يكون في لبنان ضعف هذا العدد من الأطفال اللاجئين الذين لا يحصلون على التعليم. ويُرجح أن يتجاوز قريباً عدد الأطفال السوريين في لبنان، ممن هم في سن المدرسة، عدد الأطفال اللبنانيين الذين التحقوا بنظام التعليم العام في السنة الدراسية 2013-2014. ويرتبط معدل الالتحاق المنخفض بالتعليم بين الأطفال السوريين، في دول اللجوء، بمجموعة عوامل، تشمل القدرة الاستيعابية للمدارس المحلية، وتكلفة الرسوم التعليمية في بعض الحالات، والمنهج الدراسي المغاير، ومشكلة اللغة الأساسية أو الثانوية، والمسافة الطويلة التي تفصل بعض تجمعات اللاجئين عن المدارس. إن الوضع السائد اليوم يُعد صعباً ومعقداً. ولا يُمكن حله إلا بتحسن الإمكانات المالية للهيئات الإنسانية الراعية للاجئين، التي تسعى للبحث عن حلول وبدائل ممكنة. وفي حال عدم حدوث اختراق كبير في هذا الوضع، فإن سوريا معرضة لأن يكون لديها جيل منفصل عن التعليم. وستكون هذه كارثة وطنية كبرى، لا سابق لها، ولا نظير لها في أي من أزمات العالم وصراعاته. إنه ناقوس خطر يجب أن يقرعه الجميع قبل فوات الأوان. وفي جذور هذه المشكلة، يُمكن ملاحظة أن الأطفال يعتبرون مكوناً كبيراً في مجموع اللاجئين السوريين. وتشير الأمم المتحدة إلى أنه جرى تسجيل ما يزيد على 1.1 مليون طفل سوري حول العالم كلاجئين. وما يقرب من %75 من هؤلاء الأطفال هم دون سن الثانية عشرة. وفي نهاية تشرين الأول أكتوبر2013، كان هناك 219238 طفلاً سورياً لاجئاً يعيشون في الأردن، فيما يعيش 385007 أطفال سوريين في لبنان. وإضافة لحرمانهم الدفء والشعور بالأمن، وغياب فرص التعليم عنهم، فإن الظروف المعيشية القاهرة قد فرضت نفسها هي الأخرى في صورة ضغوطًا إضافية على الأطفال اللاجئين، لتدفعهم إلى سوق العمل بأجسادهم اليافعة، ودنما مقابل مجزي يوازي جهدهم. وفي كل من الأردن ولبنان، يعمل أطفال لاجئون، تصل أعمارهم إلى سبع سنوات، لساعات طويلة. وهم يتعرضون في بعض الأحيان للخطر الجسمي والنفسي الكبير، ويواجهون صنوفاً عديدة من الاستغلال وسوء المعاملة. وتُعد الضرورة المالية المنطلق الأساسي لجميع حالات عمل الأطفال السوريين في دول اللجوء. وبالنسبة لبعض العائلات، لا يستطيع الآباء إيجاد عمل، ولا يكسبون ما يكفي لدعم عائلاتهم، أو يكونوا غير قادرين على ذلك لعوائق جسدية أو قانونية، الأمر الذي يرمي بمزيد من الضغوط على أطفالهم، ويكون محفزاً إضافياً لهؤلاء الأطفال للرمي بأنفسهم في سوق عمل لا قدرة لهم على مواجهة تبعاته الجسدية والنفسية. على الصعيد الكلي العام، ثمة معاناة ومخاطر شتى يواجهها اللاجئون السوريون. وهي ستبقى قائمة حتى يوم عودتهم إلى الوطن. إلا أنه يجب على المجتمع الدولي العمل بكل الجهود الممكنة على تخفيف هذه المعاناة والمخاطر، سيما تلك ذات التداعيات بعيدة المدى، كتعليم الأطفال. وفي خطة الاستجابة المحدثة لسوريا للعام 2014، دعت الأمم المتحدة الجهات المانحة إلى تمويل برنامج بقيمة 3.74 مليارات دولار، ينفذ في كل من لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، للحد من وطأة هذه المعاناة. ووفقاً للأمم المتحدة، لم تقدم الجهات المانحة في العام 2014 (حتى تموز يوليو) سوى نحو 1.1 مليار دولار لخطة الاستجابة المقررة. وهذا المبلغ يُمثل 30% فقط من الاحتياجات الأساسية التي جرى تقديرها. ويعني ذلك ببساطة أن المحنة سوف تستمر على حالها، وربما تزداد حدة. إن اللاجئين السوريين يعيشون شتى أنواع المعاناة والحرمان، ويواجهون بصبر مرارة التمييز وثقل القيود القانونية المجحفة، ويتعرضون في حالات عدة لحملات عدائية وعنصرية، ويعاني ضعافهم بشاعة الاستغلال في سوق العمل. إن الدول العربية، على وجه الخصوص، معنية بإعادة النظر في سياساتها الخاصة باللاجئين السوريين. إنها مسؤولة عن حمايتهم من الاستغلال، وضمان حقوقهم الأساسية، وتوفير مقومات الكرامة لهم. وهذه مسؤولية قومية لا يجوز التنصل منها. ويبقى الحل النهائي لهذه المعاناة متمثلاً في البحث عن مقاربة سياسية للمسألة السورية ذاتها.
مشاركة :