كانت وسن حكمت كاظم (29 سنة) تؤدّي عملها في مستشفى الموصل العام بعد أربعة شهور من تخرجها في كلية الطب حينما بدأ جرحى الجيش العراقي يصلون الى المستشفى، وفي لحظات تحولت طبيبة لكل شيء، فهي تقوم بتوليد النساء وتتابع الأطفال المرضى في ردهتهم الخاصة وتعالج الجنود في الوقت ذاته. إذ ان فرض حظر التجوال في ذلك الوقت كان عائقاً امام وصول بقية الأطباء الى المستشفى. بعد أربعة أيام على ذلك الحادث تعرّض المستشفى للقصف العشوائي فقامت مع سائق الإسعاف بنقل مجموعة من المرضى لم يزرهم أحد اثناء الصراع الى الجانب الأيسر من مدينة الموصل فيما توالت الأخبار من خلفها عن سقوط الجانب الأيمن. تقول وسن: «ما زلت أذكر الوقت والتاريخ. كانت الساعة السابعة مساء يوم العاشر من حزيران (يونيو) 2014 وحينها لم اذهب الى البيت بل نقلت المرضى المتبقين معي الى مستشفى السلام في الجانب الأيسر وبعد ساعات سقط هذا الجزء ايضاً بيد التنظيم المتشدد في الثانية فجراً من صباح اليوم التالي فخرجنا من المستشفى بملابس مدنية في الصباح متجهين الى منازلنا». اربع ساعات فقط قضتها الطبيبة الشابة في منزل عائلتها نامت فيها قليلاً وتناولت وجبة بسيطة قبل ان تقرر العودة الى المستشفى مجدداً لتعمل طبيبة وممرضة في آن معاً، وتقول: «قضينا انا وبعض العاملين اكثر من يوم ونصف اليوم من دون نوم او راحة. كنت أقوم بتوليد النساء وعلاج المصابين ثم استنجدنا بزملاء آخرين وطلبنا منهم الالتحاق بالعمل وبالفعل كنا عشرة أطباء ندير المستشفى مدة شهر». تصف وسن الشهر الأول من سقوط المدينة بأنه شهر هادئ لم تحدث فيه اي ممارسات من عناصر التنظيم ضد الأطباء، ولم يطلبوا منهم معالجة جرحاهم، اذ كانوا يملكون قسماً خاصًا بالطبابة يعمل فيه أطباء أجانب لم يحتكّوا بهم يوماً ولم يروا وجوههم «كنا نسمع بأسمائهم فقط ومعظمها أسماء حركية، وكان الأطباء يتحدثون عن وجود طبيب فرنسي وزوجته ضمن كادر الطبابة العسكرية لأطباء داعش لكننا لم نتحدث معهم يوماً ولم نرهم». في تموز (يوليو) من العام ذاته بدأ تنظيم «داعش» يفرض على النساء النقاب ومن بينهن الطبيبات العاملات في المستشفى، فارتدت الطبيبة الشابة مثل زميلاتها الملابس المطلوبة، وتقول: «كان ارتداء النقاب يحميني منهم ولذلك ارتديته لكن بعد شهرين جلسنا في المنزل إذ توقفت الحياة تماماً في المدينة، إلا ان عناصر التنظيم أرسلوا في طلب الأطباء والطبيبات مجدداً وكانوا يجلبون لنا ضحاياهم لنعالجهم». وتضيف: «عالجنا الكثير من الإيزيديات من آثار الاغتصاب وقمنا بتوليد بعضهن، كانت أوضاعهن مؤلمة ومعظمهن كنّ في الثانية عشرة أو أقل عمراً وكنّ يتوسلن إلينا لتهريبهن فساعدنا بعضهن على الهرب من المستشفى بالتعاون مع أشخاص من خارج المستشفى وتعرضنا للاستجواب مراراً لهذا السبب، لكننا أنكرنا وأخبرناهم أن المريضات هربن من الردهة من دون علمنا». الثقة لم تعد موجودة بعد تلك المرحلة والعزل بين الجنسين في المستشفى كان مفيدًا للبعض من الطبيبات: «لم نكن نعلم مع من نتعامل، فربما سرّب احد زملائنا شيئاً الى داعش لذلك بدأنا نتجنب الاختلاط بالأطباء الغرباء ولا نتحدث مع زملائنا الا في الحالات القصوى»، تقول وسن. كان زملاء وسن في المهنة يربون اللحى انصياعاً للأوامر وحفاظاً على عائلاتهم، فليست النساء وحدهنّ من فرضت عليهنّ مظاهر خاصة في اللبس والعمل. جرعة لأحد الأطفال المصابين بالسرطان أعطتها وسن في مستشفى ابن الأثير التعليمي كانت آخر عمل لها في المكان قبل ان تعود الى منزلها وتعالج الناس في البيت بانتظار لحظة تحرير الموصل التي حدثت بالفعل بعد أربعة أيام من انسحابها من المستشفى الى البيت. وتقول: «ما يؤلمني ان كل ما عانيناه تم نسيانه فالوزارة لم تحتسب لنا الخدمة في ظل وجود تنظيم داعش لذلك يتوجب أن أعمل لعامين مجدداً كي أتمكن من إكمال دراستي العليا».
مشاركة :