حركات استقلالية مشروعة أم نزعات انفصالية مشبوهة

  • 9/26/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أسباب اقتصادية سياسية تدعمها خصوصيات ثقافية تاريخية، ومصائر تزكيها أو تعرقلها مصالح إقليمية وإرادات دولية.العرب  [نُشر في 2017/09/26، العدد: 10763، ص(12)]عراق واحد عراق أقوى لندن - ظهور الحركات الانفصالية المطالبة بكيانات سياسية مستقلة عن جسد الدولة الموحدة التي تنتمي إليها أو أجبرت على الانتماء إليها سابقا، ليس أمرا جديدا ولا طارئا في التاريخ السياسي القديم والحديث للبشرية، وعادة ما ترتبط قضية المناداة بالانفصال في سبيل تكوين كيان سياسي مستقل بالدول التى تكثر فيها القوميات المتعددة والأعراق والثقافات حيث تعاني الأقليات الكثير من الاضطهاد والاستبداد والقمع واعتماد أساليب تعسفية لتذويب هويتها في الدولة لمصلحة الأغلبية المسيطرة، الأمر الذى جعل بعض الحركات الانفصالية (في نظر خصومها) والاستقلالية (في نظر مؤيديها) تستخدم وسائل وطرق شتى لتحقيق مطلبها في إنشاء كيان مستقل، وهو ما عرف بحركات التحرر المستندة على المبدأ الأممي القائل بحق الشعوب في تقرير مصيرها. التغييرات الدولية وانتهاء الحرب الباردة، لم يعودا يسمحان طبعا بالصراعات المسلحة المدعومة من هذا المعسكر أو ذاك. وصار المنطق الدولي يغلب عمليات الاستفتاء، والتي لا يمكن لها وحدها أن تحسم الأمر، دون استشارات وتطمينات وضمانات إقليمية ودولية، فهذه حكومة إقليم كردستان تتعامل مع الاستفتاء باعتباره خطوة نحو الانفصال عن العراق، دون الإعلان الفوري عن الاستقلال، الذي يتطلب اعترافا دوليا، ما زال غير متوفر في الوقت الراهن، خاصة مع إعلان أميركا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي أنها لن تعترف بدولة كردستان المستقلة في الوقت الراهن، رغم تفهمها لمطالب الأكراد. استفتاءات تقرير المصير، ليست وحدها حلا، ولا مقياسا حاسما لاتخاذ القرارات، ذلك أن حسابات سياسية كثيرة عليها أن تسبق هذه الخطوة غير السهلة بدليل أن من يقدم عليها يجب أن ينتظر الضوء الأخضر من قوى إقليمية ودولية وهيئات اقتصادية وبنكية قبل المخاطرة نحو مصير يمكن أن يكون مجهولا وغير محسوب العواقب. المؤيدون لاستفتاءات الانفصال والاستقلال عن الكيانات السياسية السابقة يتسلحون بحجج وتبريرات كثيرة، منها أن الحدود الدولية الحالية ليست مقدسة ولا قدرا ينبغي للشعوب القبول به رغما عنها، فمنطقة الشرق الأوسط مثلا هي خريطة رسمتها اتفاقية سايكس بيكو، بدليل أن رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، كان قد أصدر رسالة بمناسبة الذكرى المئوية للاتفاقية المذكورة واصفاً إياها بالمقسّمة للشعوب والمنطقة دون استشارة من أي أحد، وبأنها ظلمت الشعوب وخاصة الكرد، وأن حقبة تلك الاتفاقية انتهت وأصبح ضروريا عقد اتفاقية جديدة بخصوص الشرق الأوسط. الزعيم الكردي، أكد منذ نحو سنتين في حديث له مع الغارديان البريطانية أن على المجتمع الدولي تقبُّل أن سوريا والعراق لن يعود أي منهما دولة موحدة من جديد، وأضاف “سواء قَبِل قادة العالم أو لم يقبلوا؛ فإن حلم الأكراد بتشكيل كردستان المستقلة سيصبح حقيقة في السنوات العشر القادمة”. قضية ينبغي التنبه إليها وهي أن دعم حركة انفصالية معيّنة، من شأنه أن يفتح الأبواب لأخرى ليس بالضرورة أن تكون مشابهة أو تخدم نفس المصالح، فبينما ترى واشنطن أن تحقيق هذه الخطوة يمكن أن يتم بحلول عام 2030، أعلنت إسرائيل اعتزامها الاعتراف بالدولة الجديدة، انطلاقا من علاقات ومصالح مشتركة. الحدود والكيانات السياسية، ومثلما تكوّنت طبقا لظروف ومعطيات تاريخية معينة، فهي بالتالي قابلة للتغيير والتبدل وفق مثل المعطيات التي تغيرت بسببها. الرافضون لهذا التهافت نحو النزعات الانفصالية في العالم يرون بأن المحرك هو سياسي اقتصادي من أساسه، ثم تأتي الحقوق الثقافية والخصوصيات التاريخية بدرجة ثانية، فمن الواضح أنّ حركات الاستقلال تربط مطالبها الاقتصادية مع رغبتها في التحرّر السياسي، لنأحذ إيطاليا مثلا، فإن ما يدعم الرغبة الانفصالية في جنوب تيرول هو تاريخ المنطقة، فمقاطعة بولزانو، التي تتمتع بالحكم الذاتي، تم ضمها إلى إيطاليا في نهاية الحرب العالمية الأولى، ومنذ ذلك الوقت وهي تأمل في الانضمام إلى النمسا التي تجمع بينهما عدة نقاط تشابه من ذلك التقارب في الناتج المحلي الإجمالي للفرد مع معدل بطالة من بين أدنى المعدلات في أوروبا، ثم تأتي مسألة التشابه في اللغة، إذ أن ربع السكان فقط في تيرول يتحدثون الإيطالية، في حين أن الغالبية العظمى من السكان لا تزال تتكلم لهجة قريبة من الألمانية، التي يتم استخدامها أيضا في أجزاء من النمسا. التعريفات وزوايا النظر للدعوات الانفصالية تختلف وتتضارب باختلاف المصالح، وما زالت إلى الآن محورا لتنازعات قانونية، فمن يرى في حركة انفصالية ما نوعا من التمرّد والخروج على سلطة الدولة، يستوجب العقاب، يراه غيره ثورة مشروعة تمليها حقوق الأفراد والجماعات في الحرية واختيار الكيان السياسي الذي يناسب إرادتهم وفق مبدأ الحق في تقرير المصير. اقرأ المزيد: الكيانات الانفصالية لا تصنع دولة مواطنة الدول الصغيرة أقدر على رعاية حقوق سكانها

مشاركة :