النزعات الانفصالية، نزعات خطيرة، لكنها تعبر في الأساس، عن مشكلة بنيوية، في الدول التي تخرج فيها، مكونات، تريد الانفصال، أو الاستقلال، أو تشكيل دويلات، ولا يمكن هنا، تحليل النزعة الانفصالية، بمعزل عن معايير أخرى. هذه النزعات، قد تأتي تحت عناوين عرقية، أو دينية، أو مذهبية، أو سياسية، وغالباً، ما تتعاظم هذه النزعات في حالتين، الأولى، أن النية الوطنية في الأساس، مصاغة بشكل غير صحيح، وحافل بالتشوهات، مثل اقتطاع أراض أو ضم مناطق من دول أخرى، إلى دول ثانية، وعندها، ستبقى النزعة الانفصالية، قائمة، إذ مهما طال الوقت، فلا يمكن إلا أن ترتد هذه الطريقة في تكوين الدول، على ذات بنية الدولة. ولدينا نموذجين، على اختلاف ظروف التكوين السياسي، إلا أن النزعات، كانت متشابهة، وهما الاتحاد السوفييتي، الذي تفكك بمحض إرادته تحت وطأة تغيرات داخلية ودولية، وما يريده الأكراد في العراق وسوريا وتركيا وإيران. الواضح أن تكوين الدول، على أساس دمج مكونات، لا توافق تاريخياً، بينها، أمر لا يمكن أن يصمد طويلاً، وإذا صمد تحت وطأة قوة الدول المركزية، أو عدم مؤاتاة الظروف، لانفصال مكونات معينة، فإن النتيجة واحدة، إذ حين تتغير الظروف، تنكشف صلابة هذه الدول، وتظهر الهشاشة، التي تؤدي نهاية المطاف، إلى تفكك الدولة، إرادياً، أو سعي مكونات للانفصال، بما يعيد تشكيل الدولة وهويتها. الحالة الثانية، تتعلق بافتراض يقول إن أي تكوين سياسي جديد، يضم تنويعات طبيعية، من داخل أي دولة، أو حتى خارجها، مؤهل لأن يعيش طويلاً، وأن تندمج الهويات معاً، في هوية وطنية واحدة، إذا تمكنت الدولة المركزية، من صون الهوية الوطنية الجامعة، وتوليد روح موحدة، بين أعراق وأديان ومذاهب. وتطبيق العدالة، بطريقة جيدة، لا تجعل هناك، أي مظلومية، أو أي دعوات كامنة للانفصال، تنتظر توقيتاً مناسباً، من أجل أن تطل برأسها، وهنا، لا يمكن أن نطرح نماذج مثل كندا أو استراليا أو الولايات المتحدة، فهذه نماذج، لم تجمع الهويات الفرعية قسراً، لتدمجها في هوية واحدة، بل إن كل مكون اختار بمحض إرادته، أن يكون كندياً أو استرالياً أو أميركياً. تشكيل الدول الحديثة، أو التاريخية، لا يمكن له أن ينجو إذاً، إلا في حالات محددة، قوة الدولة المركزية، التي تمنع النزعات الانفصالية، أو تطبيق العدالة بشكل تفصيلي، يرضي الجميع، أو أن ذات التكوين الجمعي، يأتي بشكل طوعي، وعلى أساس التفاهم، ودون ذلك، فلا، إلا أن تنزع المكونات في دول كثيرة للانفصال، وغالباً، فإن الانفصال هنا، يعبر عن مشكلة كبيرة، لا يمكن التعامي عن عناوينها. النزعات الانفصالية في العالم العربي، مثلاً، تأخذ صورتين، صور ة مباشرة، مثل نزعة الأكراد بالانفصال، كقومية مستقلة، وهي نزعة، ستؤدي إلى أضرار كبيرة، على مستوى العرب والأكراد معاً، لأن انفصال الأكراد، له كلف على الجميع، وعلى شكل الدولة الوطنية في سوريا والعراق، وربما تركيا وإيران لاحقاً، أما الصورة غير المباشرة، فهي تلك التي نسمع عنها، من الضيق الشديد الذي تشعر به مكونات اجتماعية ودينية ومذهبية، في دول كثيرة. وشعورها بالاضطهاد، ورغبتها بالخلاص، ولعل ذلك يتجلى أيضاً، فيما يواجهه العرب السنة، غرب العراق، وتلويحهم بدولة عراقية سنية، تأتي بعد دولة الأكراد، وما سمعناه لاحقاً، من سيناريوهات بخصوص الدروز والمسيحيين في سوريا، مثلاً، واحتمال نشوء كيانات صغيرة، لهم، لفك الاشتباك مع بقية المكونات، خصوصاً، مع الاضطهاد، الذي زادت منه العناوين الدينية المتطرفة، المتمثلة، بما فعلته داعش وجهات أخرى. لقد كانت هذه المنطقة، تواجه أخطاراً عدة هي الاحتلال الإسرائيلي، ومشاريعه في المنطقة، والثاني الأطماع الإقليمية، ولربما من الممكن أن نزيد اليوم، عليها، تشظية الكيانات القائمة، تحت عناوين انفصالية، والكل لديه معلومات، عما تطالب به أكثريات أو أقليات، في دول عدة في المشرق العربي، والمغرب العربي أيضاً، تحت عناوين قومية ودينية ومذهبية، وهذا يهدد المنطقة بإعادة الرسم، من جديد، وبهذا المعنى قد تكون بعض القراءات الأميركية، التي تتحدث عن نشوء عشر دويلات جديدة في الشرق الأوسط، قراءة منطقية، على الرغم من المبالغة الظاهرة فيها، لكنها تؤشر على مخاطر كامنة لا يمكن جدولتها إلى ما لا نهاية. لا بد أمام هذه التحولات الخطيرة جداً، أن تعاد صياغة الهوية الوطنية، في دول كثيرة، بشكل أكثر صلابة، وأكثر عدالة، من أجل إزالة الفوارق والمخاوف في بعض الدول، وإلا أننا أمام عراق مؤهل للانقسام إلى ثلاثة كيانات، وسوريا مؤهلة للانقسام إلى أربعة كيانات، والأمر قابل لأن يمتد مثل وباء، من موقع إلى آخر. الهوية الوطنية مهددة. هذه هي الخلاصة. خصوصاً، مع وجود مشاريع لتحريك كل الهويات الفرعية، وإثارة التناقضات فيما بينها، وللأسف الشديد، فإن التهاون مع حروب تحريك التناقضات، سيؤدي إلى نتائج كارثية على خارطة المنطقة.
مشاركة :