المناطق المتنازع عليها عرضة لنيران استعراض القوة بين بغداد وأربيلمضى رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني قدما في مسار انفصال الإقليم عن العراق، وأدلى الأكراد بأصواتهم الاثنين في الاستفتاء حول استقلال كردستان الذي نظم وسط أجواء احتفالية في الأوساط الكردية، وتصعيد اللهجة من بغداد الرافضة للاستفتاء والتي دعا برلمانها إلى إرسال قوات إلى المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وسلطات الإقليم الشمالي؛ فيما استؤنفت الحياة الطبيعية في مدينة كركوك، إحدى أسخن نقاط الخلاف بين بغداد وأربيل، بعد رفع حظر للتجول فرضته سلطات المحافظة قبل نحو ساعتين من إغلاق مكاتب الاقتراع في الاستفتاء على استقلال كردستان.العرب [نُشر في 2017/09/27، العدد: 10764، ص(6)]هدوء لا يخفي القلق كركوك (العراق) - غداة يوم استفتاء تاريخي متوتر في كركوك، يرفض أبناء المكون العربي الذين قاطعت غالبيتهم عملية التصويت، الحديث عن شعور بالخوف من أي تهديدات قد تمس وجودهم في المحافظة النفطية التي توجد فيها مصالحهم وعائلاتهم وتتفق أغلب تصريحاتهم على فكرة العيش الآمن، مهما كانت الجهة الحاكمة. في يوم الاستفتاء، وقبل نحو ساعتين من إغلاق مراكز الاقتراع، أمرت السلطات في مدينة كركوك المحافظة الغنية بالنفط بفرض حظر للتجول في وسط المدينة وجنوبها، حيث العرب والتركمان، خوفا من أي تصادم مع الأكراد المحتفلين، لكن مع بزوغ الفجر الجديد في المدينة، ورفع حظر التجول، بدت الحياة طبيعية جدا داخل الأحياء، مع افتتاح المحال لأبوابها وعودة السكان إلى أعمالهم، خصوصا العرب منهم. وسرت شائعات في كركوك تفيد بأن أكراد المدينة سينتقمون ممن لم يشارك في عملية التصويت، لكن “أحدا لم يطرق بابنا أو يجبرنا على أي شيء”، وفق ما يقول محمد الموفق. ويضيف الموفق، المتواجد داخل مقهى الصالحي في منطقة دوميز التي يقطنها عرب وتركمان، “نحن لم نقترع، لا أحد من عائلتي اقترع. هذا شأن كردي وهو حقهم. لنر كيف ستجري الأمور ولا يهمنا إن كنا تابعين لبغداد أو كردستان، ما يهمنا هو لقمة عيشنا”. وعرفت كركوك منذ القدم في أدبيات الحزب الديمقراطـي بـ“قلب كردسـتان” وفي أدبيات الاتحاد الوطنـي بـ“قدس كردســـتان” وليس من الغريـب أن يولي الحزبان الرئيسيان في إقليم كردستان ذلـــك الاهتمام بالمدينة، فبالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي فإن إنتاج 410 آلاف برميل يوميا من النفط يستحق الجهد المبذول لافتاك المدينة من الحكومة المركزية. وتعد كركوك من أبرز المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان العراق. وحلّت إيرادات كركوك مؤقتا مكان الحصّة المخصصة لحكومة إقليم كردستان في الموازنة العراقية، والتي قامت بغداد بإلغائها في العام 2014. وتصاعد التوتر في المحافظة بعيد الإعلان عن ضمها إلى المناطق التي سيجري فيها الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، الذي دعا إليه الرئيس مسعود البارزاني، ما أثار غضب بغداد ودفعها إلى إقالة المحافظ. ويقول الشيخ برهان العاصي، عضو مجلس محافظة كركوك عن المكون العربي، إن “العرب رافضون للاستفتاء. كركوك فيها مكونات رئيسية ولا يجوز تجاوز رأيها”، لكن العاصي يحاول مع ذلك التخفيف من حدة التوتر قائلا في تصريحات نقلتها وكالة فرانس برس “لنكن صادقين. أبناء كركوك لا يطلبون شيئا غير التعايش. جميعهم لديهم مصالح”. ويحمل المكون العربي بغداد مسؤولية ضعفه في المدينة. ويشير العاصي بالقول “نحن كمواطنين في كركوك نعمل من أجل عراق موحد. الخلافات السياسية تتحملها حكومة بغداد المركزية”. ويضيف “نتمنى عدم التصعيد، يفترض أن تحل بغداد المشاكل قبل حدوثها”. إضافة إلى كركوك، يسود التوتر مناطق أخرى متنازعا عليها في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، وتسيطر قوات البيشمركة الكردية على تلك المناطق في أعقاب الفوضى التي سادت البلاد مع الهجوم الواسع الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية. ففي محافظة ديالى، شمال بغداد، والتي تطالب حكومة كردستان بمناطق فيها، يعرب الكثيرون عن خوفهم من وقوع اشتباكات بين العرب والأكراد. داخل ديوانه، حيث يستقبل ضيوفه في منزله بمندلي قرب الحدود الإيرانية، لا يخفي الشيخ هيثم الحوم، زعيم إحدى القبائل العربية السنية الكبيرة في منطقة الندى، خشيته، ويقول هذا الرجل الذي يرتدي اللباس القبلي التقليدي “نخشى وقوع اشتباكات بين الجيش العراقي والبيشمركة بعد قرار البرلمان”.الكثيرون في محافظة ديالى التي تطالب حكومة كردستان بمناطق فيها قلقون من وقوع اشتباكات بين العرب والأكراد وتتمركز البيشمركة في ديالى بشكل رئيسي داخل خانقين وجلولاء، فيما تخضع المناطق الأخرى لسيطرة الجيش والشرطة. إلى الجنوب قليلا، وتحديدا في منطقة السعدية، يعرب عبدالله الزرقوشي زعيم عشيرة كردية شيعية عن المخاوف نفسها. ويقول “لقد قمنا بتعزيز الإجراءات الأمنية ونشرنا قواتنا التابعة للحشد الشعبي في محيط السعدية”. ويضيف وهو يرتدي جلابيته البيضاء “في الماضي منعنا داعش من الدخول، وسنمنع أي شخص من الدخول إلينا”. حتى خانقين، ذات الغالبية الكردية، تسعى إلى تجنب الفوضى. يوضح بائع الخضار دلشاد دلير “إذا كنا صوتنا لانفصال إقليم كردستان فهذا لا يعني أننا نريد حروبا ودماء بيننا وبين القوات الأمنية من الحكومة المركزية”. وفي محافظة نينوى الشمالية، عومل مسيحيون من الحمدانية بطريقة سيئة على أحد حواجز الحشد الشعبي. ويقول أحد المواطنين المسيحيين “كانوا يفحصون أصابعنا ليروا إذا ما كان عليها حبر”، التصويت الذي يضعه الناخبون بعد الإدلاء بأصواتهم منعا لعمليات التزوير. ويضيف “من يجدون حبرا على إصبعه، يذلونه”. ويشير المواطن الإيزيدي خليل جمعة، الآتي من بعشيقة شرق الموصل، إن “الأهالي لم يعد يهمهم من يحكم أو يحفظ أمن المنطقة بقدر ما يهمهم أن يعيشوا بسلام وأمان، رغم أنهم متخوفون من عودة الاشتباكات والاضطرابات مرة أخرى إلى المنطقة”. وعلى مقربة منه، في برطلة شرق الموصل، يؤكد يوسف الشبكي من الأقلية الشبكية، “اليوم نحن نشعر بقلق من تطورات الأحداث في سهل نينوى والمناطق المتنازع عليها في نينوى التي تضم العديد من الأقليات وعانت كثيرا خلال السنوات الماضية ولم تحصل على الحماية اللازمة سواء من حكومة بغداد أو إقليم كردستان”. ويضيف أن “أفضل حل لتأمين حماية المناطق المتنازع عليها هو وجود قوات أمنية مشتركة من الطرفين تحت رعاية الأمم المتحدة وتدار من قبل غرفة عمليات مشتركة”. وفي منطقة طوز خرماتو، ذات الغالبية التركمانية والأقلية الكردية، يقول عضو المجلس البلدي يعرب سعيد محمد “تخوفنا فقط من أن تحصل شرارة بين البيشمركة والقوات الحكومية. عندها ستحصل كارثة ويسقط ضحايا من الطرفين”. وتقع مدينة طوزخورماتو في شمال محافظة صلاح الدين التابعة للحكومة المركزية، ولكن الأكراد يطمحون في إلحاقها بإقليم كردستان، حيث هي قريبة إلى محافظة السليمانية في الإقليم ومحافظة كركوك. كانت المدينة تابعة إلى محافظة كركوك إلى عام 1976 حيث التحقت بصلاح الدين ضمن التعديلات الإدارية من قبل الحكومة المركزية آنذاك.
مشاركة :