لا يتزوج الكاتب في مجتمعاتنا من كاتبة أو روائية، بل يعمد الكتاب العرب غالبا إلى الارتباط بامرأة لا علاقة لها بالشأن الثقافي تتفرغ لرعايته وتطهو له طعامه وتعتني به وتلبي رغباته الجنسية وتنجب له أبناء.العرب لطفية الدليمي [نُشر في 2017/09/27، العدد: 10764، ص(14)] استحضر أحد الأصدقاء الروائيين ما لديه من حس فكاهي ونزعة ظُرف عُرف بها وكتب: لو تزوج الأدباء من أديبات لامتلأت الشوارع بالقصص والروايات. تخيلت حينها أن القصص والروايات كائنات أسطورية بالغة الصغر تلعب وتضحك وتركض في الشوارع وتسحر المارة بألاعيبها وفنونها، ثم تنبهت إلى أن فرضية الصديق الروائي وطرفته اللاذعة هي أبعد ما تكون عن واقع الزيجات الأدبية كما عرفناها بين معظم الأدباء المتزوجين، فنحن لم نشهد القصص والروايات تعدو على الأرصفة وتهطل من الأشجار وتهتف بنا: اُنظروا ها أنا ثمرة الارتباط المبارك بين روائية وروائي، انظروا إليّ أنا قصص هي خلاصة شراكة الكاتب وزوجته القاصّة، وهذه المجاميع الشعرية هي من صنيع رفقة أدبية ملهمة بين شاعر وشاعرة. الحقيقة غير هذا تماما، فالأديب لا يتزوج أديبة إلا في حالات نادرة، وإذا حصل وتزوج الروائي من روائية، فإن نجاح الزيجة سيكون أمراً استثنائيا تماما ولا يمكن القياس عليه؛ فما نعرفه وما شهدناه، وما قرأنا عنه من زيجات مماثلة أثبت لنا أنها زيجات معرضة للفشل وشراكة مصيرها الخسران. أعرف بعضا من هذه الزيجات تحولت العلاقة فيها من حب مهووس إلى عداوة مضمرة لا يمكن إغفال عامل الغيرة الذي ينخر تلك العلاقة ويحول الحياة بين الكاتبين المتنافسين إلى جحيم معلن.. لا يتزوج الكاتب في مجتمعاتنا من كاتبة أو روائية، بل يعمد الكتاب العرب غالبا إلى الارتباط بامرأة لا علاقة لها بالشأن الثقافي تتفرغ لرعايته وتطهو له طعامه وتعتني به وتلبي رغباته الجنسية وتنجب له أبناء سوف يتشكى من ضجيجهم ويطالبها بتوفير الأجواء الهادئة التي تتطلبها مهنته، وسيعترف بعد أفول ملذات الزواج بأن بينه وبين هذه الزوجة مسافات شاسعة من عدم الفهم متغافلا عن دوره في استغلالها وتحجيم شخصيتها. لكن من قال إن زواج الأدباء من أديبات مضمون النجاح؟ هناك أدباء تزوجوا نساء موهوبات فحالوا بينهن وبين نضجهن الإبداعي وفرضوا عليهن الصمت ومنعوهن من نشر أعمالهن أو انشغلوا عنهن بعلاقات أخرى كما حصل بين سيلفيا بلاث وزوجها الشاعر تيد هيوز مما دفعها لإنهاء حياتها انتحاراً بالغاز. ولا تغيب عنا قصة الروائي سكوت فيتزجيرالد الذي كان يعمد إلى سرقة قصص زوجته زيلدا وينشرها في الصحف باسمه بعد أن عاشا حياة صاخبة بين نيويورك وباريس فترة الانحلال الاجتماعي التي تلت الحرب العالمية الأولى، ومزجا بين الصخب والانفلات الجنسي والتجارب المثلية في وسط يتسم بالقسوة واللامبالاة. تصف زيلدا لحظة زواجها بأنها “البداية العجيبة للتخبط والتشوش والمقدمة الطبيعية للعمى”، فلم يمر وقت طويل حتى ذوى الحب الذي بدأ عاصفا ثم تحلل كشيء فاسد مرافق لفورة العنف التي كان يعامل بها فيتزجيرالد زوجته ويسخر من كتاباتها ويمنعها من نشر قصصها ويومياتها. كانت علاقة زيلدا وسكوت المتناقضة سببا في تدمير زواجهما وتحطيم روح زيلدا. تكتب زيلدا في يومياتها “كنت أغيّر مخابئ أوراقي ودفاتري ولكنه كان يكتشفها”، وفي الوقت الذي تخلى عن حبها كان يستولي على دفاترها ويسرق منها موضوع روايته الثانية، وعندما حال بينها وبين نشر أعمالها أدركت أنه كان يدفع بها نحو الانهيار حتى أرغمها على دخول مصحة للأمراض العقلية، وهناك استطاعت أن تكتب رواية كاملة وتهربها إلى الناشر، لكنه أخبر الأطباء المسحورين بنجوميته: أن الكتابة تشكل خطرا على عقلها فلندعها ترسم فحسب، فبدأت تبيع لوحاتها لتعيل الأسرة من مردودها بعد أن انفض القراء عن كتب زوجها. كاتبة عراقيةلطفية الدليمي
مشاركة :