** قراءة الشيء تختلف عن القراءة عنه، ورؤية المرء ليست مثل سماعه، وفي الحالين قد يضيء المشهد بالقراءة وتتعزز العلاقة بالرؤية وربما أعتمت الصورة واستعدنا «المعيدي»، وهو ما يجعل الحكم المتفرع من التصور أقوى دلالة من الحكم المجرد، كما يعني أن التناقل غير الموثق إضرارٌ بالناقل والمنقول عنه سواءٌ أجاء موجبَ الانطباع أم سالبه. ** تهيأت الإجازة لبعض القراءة كما لكثير من التأمل، وحيث تبقى التأملات ميدانًا خصبًا للمراجعة والتراجع والبحث والمدارسة والحوار والتعلم فإن القراءة تعطي دلالاتٍ أكثر يقينًا؛ إذ تستعيد من الذاكرة الثقافية ما اختزنته من معلومات ومقاربات حول نصٍ أو شخص أو قضية. ** (صوت من المنفى؛ تأملات في الإسلام) كتاب لا يبعث مرآهُ البهجةَ الشكلية كما لا يتصدر واجهات العرض، وحيث ألزم صاحبكم نفسَه بعدم شراء كتاب جديد حتى يتيقن من قيمته فقرأ مقدمته وغلافه الأخير وقرر اقتناءه لاحتفائه بسيرة راحلٍ طاله كثير من الجدل بلغ حد الحكمِ عليه بالردة وتطليقِه من زوجه وغادر وطنه مغتربًا عدا آخر أسبوعين من عمره حيث مات في أحد مستشفيات القاهرة ودفن في مقابر أسرته. ** لم يكن (نصر حامد أبو زيد) شخصية هادئة في تآليفه مثلما لم تمر حياته في الريف والمدينة واليابان وأميركا وأوربا هانئةً، ومن هنا جاء تسجيل سيرته عبر الباحثة «إستر نلسون» بعفويةٍ وشفافية داعيةً إلى إعادة التفكير فيما تراكم حوله من نظرات ونظريات، وليس أجدى للباحث من قراءة السيرة «الذاتية» النائية عن إحراق البخور للذات أو «الغيرية» المعنية بسطحية السمات، ولا سيما إنسان لم يهادن على الرغم مما أصابه من وهنٍ بدني ونفسي قاده إلى درجة من الاكتئاب، وكان أن حكى للأستاذة الجامعية ما يمكن وسمُه بالبوح الأخير الذي لقي ربه بعده، وهو ما يدعو إلى عده مصدرًا مهمًا من مصادر دراسة أبرز أكاديمي عربي معاصر اعتنى بالنص القرآني تأويلاً وتحليلاً. (2) ** هذا الكتاب أنموذجٌ على ما تصنعه قراءة الورقة من وجهيها؛ فربما وثقت الحكم السابق أو نقضته أو مزجته، وهو ما يعني أن المتابعة المغمضة عينيها والمقفلة عقلها لا تُنتج وعيًا كما لا تُكمل سعيًا، وربما طالت مَن يصِم كما مَن يسِم فأعلت أو خفضت وضلت وأضلت. ** عاش أبو زيد سبعة وستين عامًا (1943-2010م) بين جِدٍّ وكَدٍ، وصخب ونصب، وزواجين وغربة، واعتداد بالعقل لا يتيح للنقل مجالاً، وولوجٍ في أنفاقٍ تفتحت آفاقًا، وتفسيرات متضادة لقدسية النص وبشرية تفسيره، كما رجل مؤمن بربه معتزٍ بدينه مخلص لعروبته، اعتمر الشال الفلسطيني حين كرمته مؤسسة روزفلت، واتهم من منع ترقيته وطالب بمقاضاته -وكلاهما أفضى إلى خالقه- بوجود شخصنةٍ لم يتردد في عزوها إلى صلة خصمه بشركات توظيف الأموال التي عرّاها صاحب «التفكير في زمن التكفير». (3) ** المسايرةُ مغامرة.
مشاركة :