فلانة اللي نفخت شفايفها! - مقالات

  • 9/30/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كل الكذبات الصغرى التي نراها حولنا في كل مكان وعلى مستوى كل الطبقات وعلى مدار اليوم والشهر والسنة، هي كذبات صغرى ظهرت وتجلت في أشكال متنوعة عن الكذبة الكبرى. والكذبة الكبرى قالت لنا إن العالم في الخارج، فأخذت شكل الأفعال والأقوال والدوران حول كل شيء عدا نفسك. فندور في حلقة من اللقاءات المليئة بالكلام عن الآخرين، وندور حول أماكن وبلاد بحثاً عن العالم والحياة، ونثرثر مع الآخر عما يفعله السياسيون والوزراء والأعضاء، ونخوض حديثاً استعراضياً حول المطعم والملبس والمسكن، ونكتب من أجل الآخر، ونمثل من أجل الآخر، ونصور من أجل الآخر، ونخرج حياتنا كلها على مسرح الحياة من أجل الآخر، ثم بعد ذلك نرمي على الجمهور الآخر كل مشاكلنا وهزائمنا وقلقنا تجاه القادم... فقط عامل الإضاءة دائماً هو من يكون غائباً عن حضور العرض. لقد كانت إمكانية الكذبة الكبرى كبيرة ومتنوعة، حيث ظهرت في بيوت الأزواج عبر السكوت، وفي تصاريح السياسيين عبر الكلام، ظهرت في وجوه الناس من خلال التجميل والنفخ، وظهرت في سلوك المعلمين من خلال التمثيل، وبما أن أحدهم يمثل أنه يعلم فالآخر سيمثل أنه يتعلم، وظهرت في الثقافة على شكل التعالي والرغبة في الثرثرة وظهرت في الدين على شكل الرياء والمزايدة، وظهرت في التلفزيون على شكل إعلان تجاري وبرامج تقدم نماذج مشوهة، وظهرت في شكل الوطنية عبر استحقار الأجنبي، وكانت تجلياتها واسعة الحيلة نحو تنشيط نزعاتنا الاحتفالية والاستهلاكية ورغبتنا القاتلة في الكلام والدوران حول كل شيء عداك. كذبة كبرى حولت المفاهيم الكبرى مثل السعادة والحب والجمال والفضيلة إلى حقوق وامتيازات وليس كونها عملاً نبيلاً يمارسه الفرد من نفسه. إن هذه الكذبة الكبرى أخذتنا من تلابيبنا نحو الكراهية والعنصرية، والاعتزاز حد الكبر بالأجداد، واحتقار من يشابهك، والتذلل لمن يعلوك، وإذلال من تحتك، وفتنتك بالجسد، واتخاذ موقف فلسفي تحت عبارة «معاك دينار...تسوى دينار». ولكن من هذا الهر الصغير ليكتب لنا ما يُكتب لنا؟ أنا ذلك الشخص الذي منكم، أحد الذين صدقوا الكذبة معكم، ويعيشها بتفاصيلها مثلكم... أنا الذي اشبهكم حتى ولو لم أكن أشبهكم، أنا الكاتب الذي يقول أنا، ليحول الحكاية إلى سيرة ذاتية ويعتقد أن ما يكتبه ليست حقائق ولكن مقاربات إدراكه المحدود. إن إيقاع البحر في تقدم وتراجع دائم، يعلو ويعيد تقييم نفسه من خلال الرجوع، المد والجزر يشكلان الرئة، يمحو قصراً رملياً بناه طفل على شاطئ وينحت الصخر في مكان آخر، ولذلك كنت أتساءل ما لو تراجعنا قليلاً وحولنا الحديث الذي نخوض فيه في اليومي والحل والترحال حول أن العالم في الداخل وليس في الخارج، خصوصاً أننا قد فعلنا كل شيء يجنبنا التركيز نحو أنفسنا. ترى ما شكل القابلية والإمكانية التي من الممكن أن تتفجر من «كذبة أوحقيقة» أن العالم ينطوي داخلنا؟ ما هي أشكال التجلي التي من الممكن أن تظهر في المفاهيم الكبرى مثل السعادة والحب والفضيلة والجمال؟ ولكن ماذا يعني أن يكون العالم في الداخل في عصر العولمة وسرعة والمعلومات والتكنولوجيا ورغبة الثراء وشهوة الملك والخلد؟ هل تقصد بالعالم في الداخل بأن نذهب إلى جلسات علاجية واستشفائية تحت ضوء الشموع وعطور شرق آسيا المهدئة للأعصاب؟ من أنت لتكتب لنا ما تكتب لنا؟ حقيقة لا أملك إجابات ترضيك... وحتى لو كنت أعرف أن البداية تكون من البادي أو المبدئ أو الأول أو الباطن، وبأن أنت ما أنت عليه باتصالك بالعروة الوثقى، وبأن اليقظة نحو الخارج هي غفلة نحو الداخل، وبأن التأمل هو مهارة وضع فواصل مهمة بين الأحداث. أما اجترار الأفكار والثرثرة والحسد فهو الإسهاب في التفكير الذي لا يكون منتجاً، إلا أنني أشبهك وأعيش معك في الاستوديو الكبير.. حيث أمثل وأدعي أنني أعرف، ولكني لا أعرف شيئاً إطلاقاً. كاتب كويتي moh1alatwan@

مشاركة :