في السابق، كتبت سلسلة مقالات عن قضية كبيرة في الكويت، قضية لا يمكن تجاهلها، وإن تم تجاهلها فالتجاهل يعود عكسياً على الدولة، المجتمع، والحكومة. قضية تتفاقم أحدثت فجوة كبيرة احتوت على طاقة كامنة. كثيرون غيري من الكتاب الكرام كتبوا عن هذه القضية، البعض نظر إليها من وجهة نظر عاطفية والبعض منطقية وموضوعية، وآخرون كانت لهم وجهة نظر عنصرية حادة. هؤلاء ذوو وجهة النظر العنصرية الحادة إن تتبعنا سير آرائهم نجدهم يتحدثون عن الإنسانية في قضايا أخرى. نعم، ولا ننسى أيضاً آخرين لديهم وجهة نظر طائفية شائكة، وإن تتبعنا آراءهم وجدنا تناقضاً لا يُغفر. قبل نصف عقد ونيف من الزمن، كتبت وجهة نظري عن قضية الكويتيين البدون، وقد قارنت نظرية ماسلو «هرم الاحتياجات الإنسانية» بأوضاع هذه الفئة، فكان الاحتياج الأول من مسلمات مقالتي حيث إنه الدرجة الأساسية وهو الاحتياج الفسيولوجي للإنسان يتكون من أبسط حاجات المعيشة كالتنفس والمأكل، فلم أسهب في هذا الاحتياج، اعتقاداً مني بأنهم يتمتعون به كما ينعم به من على أرض هذا الوطن. لكن عندما علمت أن هناك شاباً «بدون» أقدم على الانتحار «حارقاً نفسه بالنار»، وهو من أبشع أنواع الانتحار وأسوأها، تساءلت كيف أقدم هذا الشاب فاعلاً بنفسه هذا الأمر، وهو يعلم تماماً كيف سيكون عذاب الحريق ولحظات الألم والنزاع، كيف سيتناقل جسمه إشارات الجهاز العصبي المكثفة.. وإلى ما كان سينظر بعينيه أثناء الاحتراق؟ وماذا سيفكر فيه عند اشتعال النيران في كل أجزاء جسمه؟!.. من أقسى حرارة النيران لمدة قصيرة أم لهيب الأفكار ونزاعها وقهر الرجال؟! الكثير من الأسئلة والتساؤلات، لكن في نهاية هذه التساؤلات علمت بأنني أخطأت في ٢٠١٢ عندما كتبت مقالاً اعتقدت أنهم ينعمون في الدرجة الأولى لهرم احتياجات ماسلو، لكنهم لا يحصلون على الدرجات التي تليها. لكن اليوم عرفت أنهم لا يستطيعون الحصول على الدرجة الأولى بشكل غير مباشر. أي أنهم نعم ينعمون بالهواء وقليل من المأكل، ولكن هناك أبعاداً كثيرة تؤثر في الدرجة الأولى فتسلبها منهم، أو بالأحرى سلبتها من هذا الرجل الذي أحرق نفسه. وبما أن هذا هو تعبير أغلب هذه الفئة، أي أنهم بالتالي جميعاً لا يحصلون على الدرجة كنوع من التمتع والنعيم، لكنهم يحافظون على بقائها حفاظاً على أرواحهم! لماذا لا نستثمر هؤلاء بدلاً من أن نهملهم؟!. عبدالرحمن الهداد الشمريAbdulrahman@live.co.uk
مشاركة :