الصحافي في واقع الحال لا يحتاج إلى من يحميه، إنه اختار أن يكون مغامرا يحمي نفسه بنفسه، يحافظ على مصادره ويدرك أن تعامله مع الآخرين من أجل نشر الحقيقة بين الناس، وهو لا يمتلك غير سلاح مسالم يُسطر فيه الكلمات. فهل كانت فيرونيكا غورين، صحافية مغامرة أكثر مما ينبغي؟ ربما وهي تكشف بارونات المخدرات والفساد في ايرلندا، لكنها في أشد حالات الهلع والاعتداءات عليها قبل قتلها، لم تستعن بمرافق لحمايتها وهي تذهب مباشرة لكبار المتهمين بالفساد من أجل صناعة قصتها الإخبارية. كانت فيرونيكا التي عملت في صحيفة “صنداي اندبندنت” الايرلندية موضع حسد وانتقاد حتى من زملائها الصحافيين، واتهمت بالتهور والمجازفة، وأنها تتصرف بقوة مجموعة رجال وليست امرأة واحدة، ولم تبال بمصير زوجها وطفلها الوحيد. سيرة فيرونيكا التي مثلت بفيلم رائع للمخرج جويل شوماخر، وجسدت شخصيتها ببراعة كيت بلانشيت، كانت درسا صحافيا حزينا لامرأة أخلصت لولعها بكشف الحقيقة وتخليص البلاد من لوردات الفساد، ولم تبال لدرجة دفعت حياتها ثمنا لصحافيتها! أين كان الـ”بودي غارد” حينها؟ الأغنية المفعمة بالحزن المؤثر وبصوت طفولي مرافق لجنازة فيرونيكا، تكاد تكون أشبه بالإجابة. ليس هناك في واقع الحال مثل هذا العمل “بودي غارد” مرافقا لأجرأ الصحافيين وفي أخطر الأمكنة، الصحافي يدرك أنه من يحمي نفسه مثلما يحمي مصادره. يتساءل الكاتب بول بايرنز عما إذا كان من حق فيرونيكا أن تفعل ما فعلته؟ وهل يمكن أن تختار المرأة مهنة تعرض حياتها للخطر حتى وإن كانت متزوجة وأما لأولاد؟ وهل يستطيع أي رجل أن يكون بمستوى شجاعتها وتمسكها بمبادئها الثابتة التي لا تتزعزع؟ قد يبدو للبعض أن ما فعلته فيرونيكا ما هو إلا ألاعيب صحافية طائشة تريد الحصول على الشهرة بأي ثمن بدلا من كونها مراسلة صحافية استقصائية، لكن ربما تكون جرأتها الزائدة عن الحد هي التي شجعت المجرمين على الوثوق بها والحديث إليها. سبق وأن اعتبر جيريمي بوين كبير مراسلي هيئة الإذاعة البريطانية في الشرق الأوسط، الحماس بأنه قد يفسد أو يصيب، ويقول بوين، إن التهديدات الإرهابية تجعل “حتى الصحافيين الأكثر ميلا للمغامرة والأكثر جرأة يفكرون بجدية حول ما إذا كان العمل هناك يستحق المخاطرة”. مع ذلك لا أرى أن الصحافيين بحاجة إلى مرافقين لحمايتهم، لأننا ندرك شخصية الذين يفكرون بمن يحميهم قبل أي شيء آخر. ولا يمكن أن يكون الصحافي المخلص بينهم. كرم نعمة karam@alarab.co.uk
مشاركة :