هل يحتاج الصحافي إلى بودي غارد؟ بقلم: كرم نعمة

  • 9/30/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الصحافي في واقع الحال لا يحتاج إلى من يحميه، إنه اختار أن يكون مغامرا يحمي نفسه بنفسه، يحافظ على مصادره ويدرك أن تعامله مع الآخرين من أجل نشر الحقيقة بين الناس.العرب كرم نعمة [نُشر في 2017/09/30، العدد: 10767، ص(18)] باتت الحاجة ماسة لاستذكار مأساة مقتل الصحافية الايرلندية الشجاعة فيرونيكا غورين عام 1996، مع تداعيات الخبر الذي انتشر عن تخصيص هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” لحارس شخصي يرافق مراسلة الشؤون السياسية لورا كوينسبرغ! وفي حقيقة الأمر، فإن لورا تستحق أكثر من رجل حماية، ليس للخشية المتصاعدة بشأن سلامتها في دولة ديمقراطية تحترم الصحافة، بل لأنها صحافية شغلت موقعها بجدارة خلال بضعة أشهر، هذا إذا عرفنا أنها خلفت كبير المراسلين السابق نيك روبنسون بمقر الحكومة البريطانية 10 داونغ ستريت، الصحافي الذي انتزع التصريح الأكثر طلبا آنذاك باعتراف علني للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش بأن الوضع بعد احتلال العراق أسوأ مما كنا نتوقع. روبنسون الذي كان أكثر من رئيس وزراء بريطاني يرفض اصطحابه على طائرته الخاصة في الرحلات الخارجية، خشية من إحراجه أمام ضيوفه من زعماء الدول الأخرى، هو نفسه صاحب التصريح الشهير “لقد كان هناك دائما توتر بين الصحافيين والسياسيين بحكم رغبتهم في السيطرة على وسائل الإعلام وإخضاع المراسلين لخطابهم السياسي”. بعدها لنا أن نتصور المصاعب التي تواجه لورا كوينسبرغ مراسلة في منتصف العمر تلاحق الخبر السياسي البريطاني من قمة هرمه، أنها الأكثر حركة في مشهد سياسي متحرك مؤثر ومتأثر، فيما عليها أن تلتقط الخبر من أفواه وزراء الحكومة ومعارضيها، وتكون بين حشود أعضاء أحزاب الحكومة والمعارضة في مؤتمراتهم. هيئة الإذاعة البريطانية قررت اتخاذ تدابير السلامة الاحترازية، من خلال اِتباع الحراسة الشخصية للورا داخل وخارج مؤتمر حزب العمال المعارض في مدينة برايتون الساحلية. لأنها سبق وأن تعرضت لإساءة معاملة مناصري الجناح اليساري بسبب تحيزها المزعوم ضد جيريمي كوربين رئيس حزب العمال. وترى إدارة “بي بي سي” أن لورا شخصية عامة معروفة، وسوف تغطي الأحداث مع فريقها وسط الحشود الكبيرة حيث يمكن أن تكون هناك عدائية، لذلك تريد ضمان اتخاذ الاحتياطات الكافية. ووفق تصريح مصدر في الإدارة “نحن نأخذ سلامة موظفينا على محمل الجد ولن نترك أي شيء للصدفة”. حسنا هذا أمر رائع يجعل الصحافي في مأمن وفي جو نفسي غاية في الاطمئنان يساعده على صناعة مادة خبرية متميزة، وهو أمر تعجز غالبية وسائل الإعلام عن توفيره لمراسليها وكبار محرريها. لكنْ ثمة سؤالا يحمل قدرا من التهكم بقدر الاستغراب والاستفهام، عما إذا كان الصحافي يحتاج أصلا إلى حماية مرافقة لتحركاته؟ لورا كوينسبرغ تتحرك مع مصورها التلفزيوني في مساحة حراك سياسي سلمي، فكيف إذا توجهت إلى جبهات الحروب، هناك من المراسلين والمراسلات الشجعان، ما يجعل فكرة الـ”بودي غارد” مثيرة للاستغراب إن لم تكن للسخرية. الصحافي في واقع الحال لا يحتاج إلى من يحميه، إنه اختار أن يكون مغامرا يحمي نفسه بنفسه، يحافظ على مصادره ويدرك أن تعامله مع الآخرين من أجل نشر الحقيقة بين الناس، وهو لا يمتلك غير سلاح مسالم يُسطر فيه الكلمات. فهل كانت فيرونيكا غورين، صحافية مغامرة أكثر مما ينبغي؟ ربما وهي تكشف بارونات المخدرات والفساد في ايرلندا، لكنها في أشد حالات الهلع والاعتداءات عليها قبل قتلها، لم تستعن بمرافق لحمايتها وهي تذهب مباشرة لكبار المتهمين بالفساد من أجل صناعة قصتها الإخبارية. كانت فيرونيكا التي عملت في صحيفة “صنداي اندبندنت” الايرلندية موضع حسد وانتقاد حتى من زملائها الصحافيين، واتهمت بالتهور والمجازفة، وأنها تتصرف بقوة مجموعة رجال وليست امرأة واحدة، ولم تبال بمصير زوجها وطفلها الوحيد. سيرة فيرونيكا التي مثلت بفيلم رائع للمخرج جويل شوماخر، وجسدت شخصيتها ببراعة كيت بلانشيت، كانت درسا صحافيا حزينا لامرأة أخلصت لولعها بكشف الحقيقة وتخليص البلاد من لوردات الفساد، ولم تبال لدرجة دفعت حياتها ثمنا لصحافيتها! أين كان الـ”بودي غارد” حينها؟ الأغنية المفعمة بالحزن المؤثر وبصوت طفولي مرافق لجنازة فيرونيكا، تكاد تكون أشبه بالإجابة. ليس هناك في واقع الحال مثل هذا العمل “بودي غارد” مرافقا لأجرأ الصحافيين وفي أخطر الأمكنة، الصحافي يدرك أنه من يحمي نفسه مثلما يحمي مصادره. يتساءل الكاتب بول بايرنز عما إذا كان من حق فيرونيكا أن تفعل ما فعلته؟ وهل يمكن أن تختار المرأة مهنة تعرض حياتها للخطر حتى وإن كانت متزوجة وأما لأولاد؟ وهل يستطيع أي رجل أن يكون بمستوى شجاعتها وتمسكها بمبادئها الثابتة التي لا تتزعزع؟ قد يبدو للبعض أن ما فعلته فيرونيكا ما هو إلا ألاعيب صحافية طائشة تريد الحصول على الشهرة بأي ثمن بدلا من كونها مراسلة صحافية استقصائية، لكن ربما تكون جرأتها الزائدة عن الحد هي التي شجعت المجرمين على الوثوق بها والحديث إليها. سبق وأن اعتبر جيريمي بوين كبير مراسلي هيئة الإذاعة البريطانية في الشرق الأوسط، الحماس بأنه قد يفسد أو يصيب، ويقول بوين، إن التهديدات الإرهابية تجعل “حتى الصحافيين الأكثر ميلا للمغامرة والأكثر جرأة يفكرون بجدية حول ما إذا كان العمل هناك يستحق المخاطرة”. مع ذلك لا أرى أن الصحافيين بحاجة إلى مرافقين لحمايتهم، لأننا ندرك شخصية الذين يفكرون بمن يحميهم قبل أي شيء آخر. ولا يمكن أن يكون الصحافي المخلص بينهم. كاتب عراقي مقيم في لندنكرم نعمة

مشاركة :