«غرندايزر» حصان طروادة ياباني أسقط أسوار الغرب أمام مدّ صناعة الترفيه

  • 8/22/2013
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

في تموز (يوليو) 1978، ظهر «غرندايزر»، ذو القرنين المُذهبين، على شاشة التلفزيون الفرنسي. وشرعت السلسلة المصورة هذه الأبواب أمام انتشار ثقافة البوب اليابانية في أوروبا. وفي نهاية السبعينات، قيل الطالح والصالح في غرندايزر. وزُعم أنه يجعل الصغار أغبياء وعاجزين عن التفكير... وقيل إنه يحمل رؤية توتاليتارية إلى العالم. ولم يحسِب الأوروبيون أن الروبوت العملاق ذو القرنين المذهبين هو حصان طروادة ياباني يُعد لاجتياح صناعة الترفيه اليابانية الغرب. وبعد 35 عاماً على هذا النقاش، يبدو أن غرندايزر كان، فعلاً، حصان طروادة ياباني. فالروبوت العملاق عبّد الطريق أمام اجتياح برامج مصورة يابانية مثل «دراغون بول» و «سوبر ماريو» و «ناروتو» و «زيلدا» و «بوكيمون» و «هيلو كيتي»... وترفع هذه الرسوم المتحركة لواء الثقافة اليابانية الشعبية المصورة. وربما لم تكن هذه المسلسلات المصورة لتلقَ نجاحاً لو لم يحتل غرندايرز مكانة أثيرة في خيال الأطفال والمراهقين. وفي السبعينات كان عدد القنوات التلفزيونية الفرنسية يقتصر على 3، وتتوزع برامجها على برامج فرنسية ومسلسلات أميركية. وفجأة برز الصحن الطائر، غرندايرز، في سماء الشاشة الفرنسية. والمسلسل يروي قصة دايسكي، أمير كوكب فليد البعيد والقصي. والأمير كان في حرب ضد السلالة الشريرة الحاكمة المعروفة بقوات فيغا. وينتخب «بطل فليد» كوكب الأرض ملجأ له. ويوم فرّ من كوكبه، سرق دايسكي، الأنسي المظهر، الروبوت الطائر الذي لا يقهر، غرندايزر. فلحقت به ميليشيات فيغا، وهاجمت الأرض. فتصدى لها كوجي ودايسكي طوال 74 حلقة مدة كل منها 26 دقيقة. وكان البطلان يدعوان إلى السلام. وسيناريو غرندايزر وثيق الصلة بالفكر المانوي. ويبدو المسلسل الكرتوني وكأنه خارج من دليل الكشافة. فأبطاله يرفعون لواء مبادئ أخلاقية وقيم منهل الشجاعة والصداقة والوفاء. واستساغ الفتيان في سن بين السابعة والرابعة عشرة أسماء أسلحته المركبة والغريبة مثل الرزّة المزدوجة ورادع الفضاء وشعاع اليد وعاصفة الجاذبية والرشاش الصاهر... وأسبوعياً، بدأت تصل قناة «أنتان 2» الفرنسية ألفا رسالة من المعجبين بغرندايزيد. وبعض الحلقات حققت نسب مشاهدة غير مسبوقة. وظهر غرندايزر على غلاف مجلة «باري ماتش»، وعلى رزنامة مكتب البريد. واستقبل بطل فليد استقبالاً فاتراً في اليابان. وبيعت سلسلة غرندايرز بسعر يطيح المنافسة. فيوم كان شراء حقوق بث دقيقة السلسلة الكرتونية الفرنسية يبلغ نحو 30 ألف فرنك فرنسي، كان سعر عرض حلقة كاملة من مسلسل أمير الفضاء الياباني 20 ألفاً. وتفشت عدوى المسلسلات اليابانية في فرنسا. وأطلت كاندي، اليتيمة الأميركية الشابة التي تناجي أمير التلال، على شاشة «ريكري آ2»، في أيلول (سبتمبر) 1978. ولحقها ألباتور، البطل الرومانسي المسافر في الفضاء على متن مركبة فضائية اسمها أركاديا. وكرّت سبحة المسلسلات اليابانية في الأعوام اللاحقة. وزرعت هذه المسلسلات بذور الإقبال على الرسوم المصورة اليابانية المعروفة بـ «منغا». وقوام الرسوم المصورة اليابانية استراتيجية تجارية ناجعة موجهة إلى شريحة عمرية وجنسية. وبعد 12 عاماً على غرندايزر، وقعت الثورة الثانية في عالم الرسوم المصورة اليابانية. ففي 1990، نشرت دار غلينا أول قصة مانغا مترجمة إلى الفرنسية عنوانها «أكيرا». وتروي هذه سير شباب مضطرب يعيش في مرحلة ما بعد القنبلة النووية. وعلى خلاف غرندايزر البسيط الحبكة، ترتقي ملحمة «أكيرا» إلى مصاف الأعمال الأدبية البارزة والناجزة. واجتاحت كذلك قصص المانغا المصورة السوق الفرنسية. ومنذ نشر «دارغون بول» لصاحبها أكيرا تورياما في 1993 في فرنسا، لم يعد الاجتياح الياباني يقتصر على التلفزيون والقصص المصورة، بل تفشى إلى ألعاب الفيديو وصالات السينما، وهواية جمع البطاقات، والموضة، والنجوم. ومكانة الصناعة الثقافية اليابانية وازنة. ويستقطب معرض اليابان المنظم سنوياً منذ 15 عاماً، 23 ألف معجب يومياً (طوال 4 أيام). وهو رقم يفوق عدد زوار المهرجان الدولي للشرائط المصورة في أنغولام. ويحتل جناح المانغا مكانة بارزة فيه. فواحدة من 3 قصص مصورة مباعة في فرنسا يابانية الأصل. وتباع سنوياً 14 مليون نسخة من قصص أو شرائط المانغا، أي 26 في المئة من مجمل الفن التاسع، وهو فن القصص المصورة. ويعود نجاح المانغا إلى شغله فراغاً خلفته الشرائط المصورة الأوروبية الموجهة إلى الشباب. وتزامن رواج غرندايزر ودارغون بول وغيرهما مع نشر عدد من صحف الشرائط المصورة المخصصة للراشدين، على غرار «ليكو دي سافان» و «ميتال أورلان»، و «فلويد غلاسيال». وتوجهت الشرائط المصورة الفرنسية – البلجيكية تاريخياً إلى جمهور الفتيان، وسعت في السبعينات إلى استمالة الراشدين تاركة المراهقين من غير معين رسومها. فحظيت قصص المانغا بحصة الأسد من جمهور المراهقين. وهي تتناول الحياة في مرحلة الدراسة الثانوية، والغزل في أوساط المبتدئين، والنزاع مع الأهل، وبدء مرحلة البلوغ، والرغبة في الكمال...، أي الموضوعات التي تشغل المراهقين. وتعالج المانغا هذه الموضوعات معالجة مطولة في سلاسل متصلة. و «أقدمت المانغا على خطوة لامعة، فهي أبرزت قصص أبطال هم في سن قرائهم»، يقول ستيفان فيران، محرر في دار غلينا. وعلى رغم أن شكل كل من تانتان وسبيرو يوحي بالشباب الدائم، يقدم الاثنان على أفعال هي من سمة الراشدين. فيقود أحدهما سيارة والآخر يطلق النار. ولا يتناول أي بطل أوروبي مصور، ما خلا تيتوف، مشكلات المراهقة المعقدة، على نحو ما فعل تورياما في «دراغون بول». فالقارئ يتابع تغير شكل جسم البطل مع مرور الزمن. فتورياما لم يخف عليه أن جمهوره يشيخ بدوره»، يلاحظ فيران. وتجاوز دايسكي ودكتور آمون عتبة الرشد في غرندايزر. ولكن ذقني كل منهما حليقة من غير أثر لعلامات البلوغ أو قسوة. فلم يخفَ على مروجي المسلسل أن طمس علامات الرشد هو شرط من شروط تماهي المشاهدين الصغار مع الأبطال. و «غرندايزر» كان فاتحة بروز رسوم منمطة الوجه: أبطال عيونهم واسعة وكبيرة وأنفهم بالغ الصغر. ومثل هذه الرسوم دينامية تستهوي الشباب. ومن اليسير تقليدها ونسخها. فشكل غرندايزر يتسم ببساطة بالغة. وأقبل الصغار على رسمه إقبالاً عززه موقف الأهل السلبي إزائه. ومن يعيد متابعة غرندايزر اليوم يسعه فهم سياسة اليابان الهادئة، أي الديبلوماسية الناعمة التي تنشر نفوذها بواسطة المنتجات الثقافية. ولكن خطوات غرندايزر الأولى لم تكن هادئة. ووجه الأهل وجمعياتهم وعلماء نفس الأطفال ووسائل إعلام سهام النقد إلى هذه السلسلة، ودانوا طابعها العنيف وذوقها القميء. وأكثر من اصلوا غرندايزر النقد ضراوة كانت سيغولان رويال في 1989، وهي المرشحة إلى الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 2007. ورأت رويال أن غرندايزر هو قصة «ضربات عنيفة وعمليات قتل ورؤوس مقطوعة وأجسام مكهربة وأقنعة مقرفة وحيوانات رهيبة ووحوش شرسة». ولكن هل قصص الأخوان غريم كانت أكثر لطفاً ووداعة؟ ومع مرور الوقت، طوي الجدل، ولكن الأهل لم يفهموا يوماً إقبال صغارهم على الرسوم المصورة اليابانية المكتوبة من اليمين إلى اليسار. ولم يكن يسيراً على الراشدين في الغرب قراءة المانغا. وهذا ما زرع الفرح في نفوس صغارهم. فهم كانوا يشعرون عند مطالعتها أنهم ينتهكون المحظور. وانتهجت دور النشر استراتيجية اقتصادية ثلاثية الأشكال: نسخ مانغا الصغيرة القياس التي يسهل حملها في حقيبة، ونسخ رخيصة الثمن في متناول المراهقين شراؤها من مصروف الجيب، وسلسلات من مئات الصفحات موزعة على حلقات تصدر كل شهرين. وخالفت أشكال منشورات مانغا مجلات الشرائط المصورة الفرنسية – البلجيكية الكبيرة الحجم الأنيقة والغالية الثمن، والتي تصدر في مواعيد عشوائية من غير انتظام. ووراء ذيوع المانغا في فرنسا عدد من العوامل منها إلفة الفرنسيين بالشرائط المصورة وأسلوب السرد «المانغاوي». فجيل الآباء لم ينظر بعين الاستهجان إلى مطالعة الأبناء المانغا. وكان لسان حالهم هو القول «على الأقل هم يطالعون». وعلى خلاف السرد الأوروبي، لم تتوسل المانغا أسلوب الإيحاء بالخطوة والانتقال إليها من غير وصف المراحل التي تقود إليها. ففي تانتان على سبيل المثل، قد يظهر الكابتن هادوك في أعلى السلم وشريط حذائه غير مربوط، وفي المشهد الثاني نراه على الأرض ورجلاه يلوحان في الهواء. فيُترك للقارئ تخيل تدحرجه. ولكن في الشرائط المصورة الآسيوية، ترجح كفة الوصف المتتابع والمفصل تفصيلاً بالغ الدقة يغني عن التأني في القراءة. فالشرائط المصورة هي سلعة يفترض أن تكون سريعة الاستهلاك لا تقتضي الانصراف في التفكير. فقراءتها يسيرة مثل مشاهدة فيلم سينمائي.   * عن «لوموند» (ملحق «كولتور إيه إيديه») الفرنسية، 10/8/2013، إعداد منال نحاس

مشاركة :