لا يبني الكلام الطيب دوليّاً المدارس في الأردن، كما قال سمو وليّ العهد الامير الحسين بن عبد الله في الأمم المتحدة، في المقابل دعونا نتفق أن شكوانا المتزايدة (والمحقّة) عن مِنح ملكيّة لم تنفّذ أو لم يُستكمل تنفيذها، وعن عطاءاتٍ حكومية لم ترَ النور وحتى عن مدارس متهاويةٍ لا يعرف عنها أحد، كلّها لن تبني المدارس أو ترممها أيضاً، ما يجعلنا اليوم مضطرين للتساؤل من سيبني المدارس؟.. والجواب بلا تفكير نجده في مقابلة جلالة الملك الاخيرة مع وكالة الانباء الاردنية- بترا- وهو نحن من سنفعل ولا احد سوانا. قبل الحديث عن كيف سنبني المدارس، دعونا نضع المشكلة في إطارها الدقيق:واقع التعليم، والحكومي خصوصاً، من حيث البنى التحتية بصورة أساسية واقعٌ مزرٍ ومستمرّ وللأسف لا تستطيع النهوض فيه جهة واحدة، خصوصاً إذا ما تنبّهنا لأن عدد أبناءنا المحتاجين للتعليم في المدارس (أعمارهم من 5- 19 سنة) نحو ثلث عدد السكان في الأردن (3.215.090 من أصل 9,798.000 وفقا لإحصاءات عام 2016)، وهو ما يعني ان ثلث السكان اليوم بحاجة لوقفة الثلثين الاخرين الى جانبهم لتجنيب الاردن مستقبلا ضيّق الأفق- لا سمح الله-.ندرك بالطبع أن ليس كل ابنائنا في المدارس الحكومية، الا ان الفئة التي تهمّني هذه المرة، هي فئة العائلات غير القادرة على الاستثمار في التعليم الخاص، أو حتى تلك الراغبة بممارسة ابنائها حقهم الطبيعي بتلقّي التعليم الحكومي المجانيّ في مدارس ذات بنية تحتية سليمة ومهيأة، وبنوع تعليمٍ يعمّق لديهم الاحساس بتكافؤ الفرص والتساوي مع ابناء جيلهم في ميكانيزمات التعليم، وليس العكس.لحصر المشكلة أكثر، يمكننا أيضاً استثناء مدارس العاصمة عمان، رغم ضعف بعضها، والاتجاه بوضوح لخارج العاصمة، إذ أن أي زيارة قد يقوم فيها الفرد منا بأي اتجاهٍ خارج العاصمة، ستتيح له- للأسف- التعثّر بواحدة من المدارس المتهالكة على الأقل، من أمثال مدرسة البربيطة في الطفيلة، وأبو صياح في الرصيفة وكفرنجة في عجلون وغيرها من المدارس التي نعلم جميعاً أن طلبتها ومعلميها على حدٍّ سواء يعانون من تهالك بنيتها التحتية وفقدانها للكثير من مقومات الأمان والسلامة، فضلا عن نقص الاثاث الضروري في كثير من الحالات. الأخطر أنه قد يجد قرى في الجنوب خصوصا ليس فيها مدرسة ويضطر أبناؤها للانتقال للقرية المجاورة للحصول على حقهم الطبيعي في العلم والتعلّم.ولننتبه، أن الوضع يبقى محمولاً دوماً في مرحلة ما قبل الشتاء، أما الأخير فبمجرد إطلالته على الصروح التعليمية المتهالكة في المحافظات بكلّ برده ومطره وقسوته، تنكشف الكثير من العورات الانشائية والمتعلقة بالتدفئة والأمان والسلامة العامة، في أبنية معظمها أكل عليها الدهر وشرب. فنجد الطلبة والأهالي والمدرّسين على حدّ سواء، في مناخٍ لا يتناسب وأهمية التعليم والتركيز الذي يتطلبه، فتعلو نبرات الشكاوى لتصبح أقرب للاستغاثات.كل ما قلته حتى اللحظة، إمّا عاينته بأمّ عينيّ أو عاينته أيضاً وفي العديد من المناطق، فهو بالتالي أجدر بالتصديق أكثر من النفي ومحاولة التقليل منه، ومعنى أن يتحدث ولي العهد عن حاجتنا للمدارس في أم المؤسسات الدولية الجمعية العامة الامم المتحدة، يؤكد انه حقيقة، كما ان وزير التعليم الدكتور والمفكّر عمر الرزاز تطرق الى موضوع البنى التحتية عدّة مرات وأكد ان الوزارة ماضية بذلك.إذن، هناك إجماع على الكثير من التهتك في البنى التحتية في المدارس بـ 11 محافظة على الأقل، وهذا بالتزامن مع مطالبات من وزارة التربية والتعليم بنسختها الحالية بالمزيد من الاصلاحات على صعيدي المناهج وأدوات التعليم، وهنا لن أخوض في المجال كثيراً فالدكتور الرزاز وفريقه ينشطون بطريقة مكوكية لإجراء قفزات تعليمية اظن انهم أخبر مني بها، وبات من المتفق عليه جدّيتها وصحّة أساسها.لذا ففيما أقول فعلا لا أوجّه اللوم بحالٍ من الأحوال على وزارة التربية والتعليم بنسختها الحالية ولا وزيرها، بالعكس فأنا أنتهز فرصة وجودهم، وإن كانت تركيبة الوزارة التاريخية بطبيعة الحال عاملاً أساسيّاً في المشهد. وهنا أزيد بالحديث أيضا عن جهدٍ موازٍ يجب على الجميع بذله، خصوصا إذا ما تأملنا في كلام جلالة الملك عبد الله الثاني مؤخرا عن ضرورة بنائنا للمجتمع والاستثمار فيه بأنفسنا.جلالة الملك أيضاً وضع التعليم والنهوض فيه في ورقة نقاشية كاملة (السابعة) والتي نشرها في وقت مبكر من هذا العام، الأمر الذي يوفر للجميع غطاء الإرادة السياسية الواضحة للتفكير والتطوير والمبادرة في مجال التعليم، بالتزامن مع وجود عقول في الوزارة نفسها مستعدّة للعمل الجمعيّ وقابلة فيه، لا بل وتطالب بالمساهمة معها في التطوير والتحسين.أكثر من ذلك، أجد أننا اليوم أمام فرصة تاريخية يجب استغلالها، متمثلة باللامركزية، التي تضمن التطوير الأفقي وفي أكثر من مكان، ان تمّ استغلالها بصورة صحيحة عبر وضع المدارس ضمن اول ثلاث اولويات في مجالس المحافظات الجديدة، بالتوازي مع الخدمات الطبية، وخدمات النقل، تبعاً لخصوصية كل منطقة. ما يتطلب تنسيقاً مجتمعيا أيضاً بحيث لا يرتكز تطوير وترميم وتحسين المدارس على التمويل الحكومي فقط والموازنة المقترحة للمنطقة، وانما كذلك يدخل في اطار الهبات المجتمعية بمعنى ان يفتح المجال للمساهمة في وقف المدارس وتقديمها لخير المجتمعات كما يحصل مع المساجد ودور تحفيظ القرآن، خصوصا اذا ما كان في منطقة ما عدداً كافياً من المساجد، وهو الواقع في الكثير من المناطق التي زرتها في المحافظات. طبعاً في خيار الوقف تجب مراعاة ان تبقى هذه المؤسسات التعليمية تحت رعاية الوزارة والقصد ليس بأي حال انشاء مدارس دينية، أو تابعة لتوجهات معينة، قدر ما هو اعادة توجيه الاوقاف والتبرعات لاحد اهم المؤسسات الواجب رعايتها وتحسينها.. المدارس بمختلف مراحلها. بالإضافة الى ذلك، يجب العمل مع القطاع الخاص المزدهر، وبصورة سريعة، على توفير جزءٍ من المتطلبات للمدارس المصنّفة بأنها ذات وضعٍ حرج أو في مستوى الأزمة، والتي هي للأسف موجودة واعتقد ان سجلّات وزارة التربية والتعليم توثّقها، الامر الذي قد يسهم على الاقل في وقاية بعض ابنائنا من المناخات الصعبة والمتردية ولو كان ذلك في غرفة صفّية واحدة.عودة على ذي بدء، مدارسنا لن يبنيها سوانا، وترميم عقودٍ من الانتظار بحاجة انتفاضة من مختلف القطاعات وتكاتفٍ للجهود تحت اشراف وزارة التربية والتعليم من جهة ومجالس المحافظات من جهة اخرى ومديريات المنشآت والسلامة وغيرها بالإضافة للقطاع الخاص واصحاب رؤوس الاموال، علّنا لا نشهد غرفة صفّيّة في الشتاء المقبل يرتجف طلبتها ومعلمتهم، ولا نسمع عن تلاميذٍ لا يستطيعون الوصول لمدارسهم.*وزيرة سابقة للتنمية الاجتماعية.
مشاركة :