المجتمع الأكاديمي ينعت المشهد الثقافي العام بالسطحية، ويعتبر منشوراته غير ذات قيمة، وأضحى هذا الأخير لا يتردد في وصف الأكاديميين بالانغلاق والمحافظة والنزعة الأداتية ومعاداة الحرية.العرب شرف الدين ماجدولين [نُشر في 2017/10/04، العدد: 10771، ص(15)] لم تكن مجلات مثل “الكاتب المصري” لطه حسين و”الرسالة” لأحمد حسن الزيات، ثم بعدها بسنوات، مجلات “الآداب” و”فصول” و”الكرمل” و”الطريق” و”مواقف” و”الثقافة الجديدة”… تحتاج إلى أن تنتسب إلى الجامعة أو تدعي الأكاديمية لتنهض بأدوار أكاديمية جليلة، وتشكل مراجع فكرية ونقدية لا يرقى الشك إلى مضامينها ومحصلات اجتهاداتها، بل إن عبارة من قبيل “مجلة علمية محكمة” لم تكن لها ضرورة في ظل وجود أسماء كـ: سهيل إدريس ومحمد دكروب وأدونيس وأنيس صايغ وعزالدين إسماعيل ومحمد برادة… على رأس بعض تلك الدوريات. لقد كانت تلك الأسماء وحدها ضمانة على أن ما ينشر ينطوي على قيمة بحثية ظاهرة، فضلا عن انخراطه في مشروع فكري وثقافي واضح المعالم، ولهذا كان الانتساب لتلك الدوريات بمعنى ما انتماء لعقائد فكرية وسياسية، من القومية إلى الماركسية ومن الوجودية إلى الليبرالية العربية. ولم تكن أهمية النشر في أغلبها، وقد نجحت في إقناع المجتمع الأكاديمي، تتمثل، فقط، في اكتساب صاحبها لشرعية معرفية أكيدة، وإنما في تحوله التدريجي بعد ذلك إلى سلطة في المشهد الثقافي العام. وبات بديهيا أن تنتقل وظيفة الناقد والباحث في أغلب تلك المنابر الذائعة الصيت، والمنتشرة بين جمهور واسع من القراء، من تحليل النصوص، إلى الصدع بدعاوات ذات كنه ثقافي يناقض السائد، تحلم بتشييد ثقافة بديلة تؤسس لمجتمع حديث، ومن ثم، فقد تضمنت صفحاتها بالإضافة إلى نقد الشعر والرواية والمسرح والفن التشكيلي قراءات في الخطابات الدينية والسياسية، ومراجعة لأطروحات فلسفية وفكرية. كما أنها احتضنت حساسيات فنية وجمالية طليعية مكنت الخطاب النقدي من تخطي صروح المؤسسة الأكاديمية إلى عوالم المجتمع الثقافي، وهكذا كان لتلك المجلات وما تضمنته من دراسات ومقالات نقدية لمعظم الأسماء التي شيدت مجد الخطاب النقدي العربي، أثر قوي في تكييف صورة الباحث والناقد العربي وإكسابه صبغة المثقف التنويري الذي يستطيع الانتقال بين الخطابات بيسر وبالروح التحديثية ذاتها، سواء من حيث طبيعة الأسئلة المستثارة أو النصوص المسلط عليها الضوء، وطبيعة التحاليل التي لم تنجرف وراء رغائب القراء. أستحضر مجددا هذا التساند بن الأكاديمية والمجتمع الثقافي بعد ما صرنا نشهده اليوم من انفصال شبه كلي بين المحيطين، وتفاقم العداء بينهما منذ بداية انحسار تراث رواد النهضة ورسالتهم الفكرية في الجامعة والثقافة العربية على حد سواء، حيث صار المجتمع الأكاديمي ينعت المشهد الثقافي العام بالسطحية، ويعتبر منشوراته غير ذات قيمة، وأضحى هذا الأخير لا يتردد في وصف الأكاديميين بالانغلاق والمحافظة والنزعة الأداتية ومعاداة الحرية، وحين تكون منتسبا لهما معا اليوم فإنك لن تجد نفسك أمام مشهد حي وقلق ومولد للمعنى، وإنما إزاء مطحنة للأعصاب والذمم والطاقات، ومن ثم فإن وضعك لن يكون مريحا على الإطلاق. كاتب مغربيشرف الدين ماجدولين
مشاركة :