بالمنطق البراغماتي الصرف تأليف الكتب اختيار مفقر ومبدد للوقت، وعمل من أعمال السخرة لدى الناشرين الدهاة. الشهرة نفسها لا تستحق هذا العناء.العرب شرف الدين ماجدولين [نُشر في 2018/02/14، العدد: 10900، ص(15)] قد تختلف أجوبة المشتغلين بالكتابة عن سؤال الغاية من تأليف الكتب؛ ماذا بعد كل ذلك الشقاء الذي قد يبدأ بأسئلة وقراءات وأسفار أحيانا، وإنفاق سنوات تلو سنوات في تتبع ولع تدوين الأفكار ورقنها ومراجعتها؟ لتتخذ في النهاية شكل كتاب ورقي قد يكون رواية، أو مصنفا نقديا، أو دراسة في أحد حقول المعارف، يحمل اسم الكاتب. قلة قد تقر بأن التأليف في النهاية لا غاية له، سيما حين تجابهك سير مؤلفين خلفوا مئات الإصدارات دون أن يكون لها أثر على حياتهم، أو حياة الناس، قد تقول: ربما هو ولع بالوحدة، وبرائحة الورق، وخوف من فناء الجسد، فالاسم المطبوع على كتاب قد يبقى في الرفوف لسنوات، تصافحه الأكف بين الفينة والأخرى، وتتهجى أحرفه الشفاه الثاوية ببطن الغيب، شيء يوهم بالجدوى والخلود (أي خلود؟)، أو يوقر في الأذهان بأن الشخص لم يضيّع حياته هباء، وإنما أنفقها في شيء مبهم وهو إصدار المطبوعات التي تصون اسمه من قدر الزوال، لكن هل فعلا إصدار مئات الكتب عمل يصون الكاتب، ويقيه من شيء ما؟ يخيّل إلي أن تأليف الكتب تحديدا لا يمكن أن يكون وقاية من أي شيء، بدءا من أنواع العلل إلى مراتب الفقر، فالجلوس اليومي إلى المكاتب وتحبير الصفحات دون ملل، سلوك مهلك، يتلف الأعصاب، ويكلس الشرايين، ويطمس الأبصار، ويورث الضغائن مع الأهل. بقي أن نتحدث عن الرصيد النوعي الذي يعني تراكما معقولا ومقبولا وغير ضار، عشرة كتب في مسار حياة بكاملها، غير منغصة بالكروب، قد يكون لها أثر جدي، ومفيد ومغير لمفاهيم ونهج ورؤى، إنما بالنسبة لصاحبه، قد لا يعني شيئا، الكتاب لا يدر مالا، ولا يفيد في إدراك جاه، قد يفضي إلى جائزة، لكن الأمر هنا شبيه بلعبة اليانصيب، قد تنفق عمرك تشتري الأوراق، وتعبئ الأرقام، وتخطئ الأرقام الرابحة، فآلاف الأعمال العبقرية تُتوج منها عشرات. وبالمنطق البراغماتي الصرف تأليف الكتب اختيار مفقر ومبدد للوقت، وعمل من أعمال السخرة لدى الناشرين الدهاة. الشهرة نفسها لا تستحق هذا العناء. ولنترك عادة إصدار كتابين إلى ثلاثة في السنة التي تبدو عبثية وتهدر طعم الكتابة، إن كان لها طعم، ولنعد إلى النقيض الكلي أي إصدار الكتاب الوحيد الذي يكون عبقريا، ثم لا يتلوه شيء، فهذا الاختيار أيضا يمكن أن يكون مهلكا على نحو مضاعف، وطريقا ملكيا إلى الانتحار أو إدمان المخدرات، فالمجد الكبير الذي يتبع عملا وحيدا قاتل في النهاية. كاتب مغربيشرف الدين ماجدولين
مشاركة :