الأديبة والباحثة الكويتية الدكتورة هيفاء السنعوسي أستاذة الأدب والتحليل النفسي في جامعة الكويت، حاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب من جامعة غلاسكو في اسكتلندا... عضو هيئة التدريس في كلية الآداب في جامعة الكويت، تمحورت أبحاثها العلمية في مجال نادر في العالم العربي جمعت فيه بين الأدب والتطبيب النفسي، وقد أسستْ مادة «الأدب والتحليل النفسي» في جامعة الكويت، وهو المقرر الوحيد على مستوى جامعات العالم العربي. تعمّقت في الدراسات العلمية في مجال القصة العلاجية، والكتابة العلاجية، والمسرح العلاجي، وكانت آخر أبحاثها العلمية حول المونودراما العلاجية، وهي دراسة جديدة مبتكرة في مجال الفنون الأدبية العلاجية والأولى من نوعها على مستوى العالم. نشرت مجموعات قصصية ومسرحية عدّة، وارتكزت في الآونة الأخيرة على كتابة مسرح المونودراما النفسية، وهو مسرح البطل الواحد، ويُعدُّ من أصعب الفنون المسرحية كتابة وأداءً وإخراجا على مستوى العالم... وعلى هذا الأساس كان لنا مع السنعوسي هذا الحوار: • بداية أين تجدين نفسك كامرأة مبدعة... في الأدب أم في البحث الأكاديمي أم في التدريس كأستاذة جامعية؟ - في الحقيقة أجد نفسي في الزوايا الثلاثة التي تفضلتَ بذكرها، فأنا بتركيبتي العقلية من فضل الله -عز وجل- أجمع بين تلك الملفات الثلاثة، ولاشك أنك تلاحظ بأن بينهم ترابطا وتناغما كبيرا، فكتاباتي الأدبية تتشكل كمادة لبحوثي ودراساتي العلمية على سبيل المثال، مثلا: كتابة القصص والمونودراما- وهو مسرح البطل الواحد-، هذه الأجناس الأدبية تتشكل في دراساتي المتمحورة في العلاج بالفنون الأدبية القصص والمسرح العلاجي، وكوني أستاذة في الجامعة، فهذا أمر مهني متعلق هو الآخر بالأدب وبالبحث العلمي، حيث أقوم بتدريس الطلبة النصوص الأدبية المختلفة، كما أن طلبة الطب وطلبة الكليات الأخرى بجامعة الكويت يدرسون عندي مادة «الأدب والتحليل النفسي» وهي مادة تعطيهم آلية استخدم الأجناس الأدبية في اكتشاف الذات وتأهيلها وفي العلاج النفسي. وهكذا أنا منغمسة بتناغم في عوالم الأدب والبحث العلمي والتدريس. • وهل اهتمامك بالبحث العلمي قلل من اهتمامك بالكتابة؟ وماذا عن آخر إصداراتك الأدبية؟ - بلا شك هذه حقيقة، فأنا أهتم جداً بالبحث العلمي، ويأتي هذا أحياناً على حساب كتاباتي الأدبية، أما آخر مجموعاتي الأدبية فهو كتاب «وجوهٌ لا تعرفُ الضوءَ» وهو مجموعة مسرحيات مونودرامية قصيرة، تعبر عن حالات نفسية في مسرح البطل الواحد. وتمتزج في هذا الإصدار عوالم الأدب بعوالم علم النفس، والتي تصب في قالب اهتماماتي ودراساتي العلمية في مجال المسرح العلاجي. ولكنني جمعت كل مجموعاتي القصصية والمسرحية السابقة في كتاب يحمل عنوان: الأعمال الكاملة، وتمت طباعته في تطوان. - أنت عاشقة تطوان تلك المدينة الأندلسية الساحرة في المغرب، فما دور المغرب في تحقيق بعض أهدافك في الخارطة الثقافية والإنسانية؟ • طبعا من فضل الله- عز وجل- حققتُ كثيرا من أحلامي وأهدافي في وطني الحبيب الكويت وخارجه، ولكن للمغرب الجميل دور جميل ومميز زادني تعلقا به، وضاعف زياراتي له، فقد توسعت أحلامي في المسار الإنساني والثقافي، وتجاوزت أسوار الكويت، ففكرت في تأسيس جمعية ثقافية لها دور إنساني للمجتمع المغربي، وطبعا وفقا للقانون المغربي، يتكون المكتب من مغاربة، وقد ظهرت الجمعية للنور منذ عام ونصف تقريبا، وتحمل اسم والدتي يرحمها الله «جمعية منيرة الحِمْد الثقافية» وأنا حاليا مستشارة دولية للجمعية، أضع الأفكار والخطط والبرامج الثقافية لها بما فيها مؤتمرات وندوات وأمسيات ومهرجانات ثقافية بالاشتراك مع الكويت، وتتمرد هذه الأنشطة على الطابع التقليدي المكرر، وتخرج بشكل إبداعي لافت للانتباه، وأشكر المغرب الجميل على تسهيل مهمة تأسيس الجمعية في مدينة تطوان التي أعشقها. وأنا بالطبع مهتمة بتبني مواهب الشباب المغاربة المبدعين في مجال الكتابة، الإنشاد الديني، والأداء المسرحي، والتقديم والرسم والتصوير وغيرها من الإبداعات. أما على مستوى الجوانب الانسانية، فقد أسستُ منذ عامين مشروعا كويتيا خيريا لأطفال مدينة تطوان يحمل اسم «قلوب ومهمات» انطلقتْ منه حلقات تحفيظ القرآن وعلومه، ويهتم المشروع كذلك بالأطفال المرضى والأيتام من الأسر المعوزة والمسحوقة ماديا، وتديره معي ابنتي المهندسة رزان العودة التي اعتادت زيارة المغرب منذ أن كانت طفلة لاتتجاوز الثامنة من عمرها، والمشروع تحت مظلة «جمعية منيرة الحِمْد الثقافية». وهناك أعمال إبداعية أدبية مع بعض المنشدين المغاربة... • أصدرت مجموعات قصصية ومسرحية، وكانت المجموعة القصصية الأولى بعنوان «ضجيج» صدرت من قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم بمصر، وكتب مقدمتها في صفحتين المفكر الراحل الأديب والطبيب الدكتور مصطفى محمود يرحمه الله، كيف تم التواصل معه؟ - سؤال مهم ويسعدني أنك طرحته، بلا شك أعتز بمجموعتي القصصية هذه لأنها الأولى، التي لم تكن في محيط مجتمعي الكويتي فقط، وإنما دخلت بيوت المجتمعات العربية، فقد صدرت بمصر، وتم توزيعها عربيا بكثافة، وقصة نشرها تعود للعبقري الراحل الدكتور مصطفى محمود، فقد كان لقائي به في أواخر حياته لاستكمال دراسة علمية قصيرة حول الأبعاد النفسية في قصصه ورواياته، فالتقيت به في القاهرة، وكنت من أشد المعجبين بكتاباته منذ صغري، وقد سألني أثناء اللقاء الذي جمعني به في القاهرة ما إذا كنت أكتب القصص، لأنه وأحس كما قال لي -يرحمه الله- من خلال حواري معه أن لي إشراقة عميقة في الكتابة القصصية، فقلت له نعم لدي محاولات قصصية في حزمة ورقية ولكن لم أنشرها بعد، هكذا كانت البداية حيث طلب مني أن أعطيه نسخة منها، فبعثتها له في اليوم الثاني، ووجدته في اليوم الثالث يتصل بي، ويخبرني بأنه سيأخذها بنفسه للأستاذ نبيل أباظة مدير قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم لنشرها، وقال بأنه كتب تقديما لمجموعتي القصصية. وقد أسعدني الخبر بشكل كبير جداً، ولم يكتف بذلك بل طلب من نبيل أباظة أن يضعوا دراستي التي كتبتها عنه في مقدمة كتابه «الوجود والعدم» المعاد طباعته، ويضعوا اسمي على الغلاف مع اسمه، وكانت هذه فرحة أخرى أضافها لي يرحمه الله. • هل نلت حقك من الذيوع والانتشار؟ وهل أنصفك الإعلام؟ - نعم ولله الحمد نلت الانتشار والظهور الإعلامي من فضل الله - عز وجل - بالصحف الكويتية والعربية وبالإعلام الإذاعي والمرئي ككاتبة وأديبة من زاوية، وأيضا كباحثة وممارسة في مجال الفنون الأدبية العلاجية من زاوية أخرى، وقد وصلت أبحاثي العلمية في الفنون الأدبية العلاجية من فضل الله - عزّ وجل - إلى أوروبا وأميركا، فقد دُعيت لمؤتمرات عالمية في جامعات عريقة لعرض أبحاثي في المجال، ولعمل ورش عمل علاجية في بريطانيا بمعظم مدنها، وفرنسا ومالطا وقبرص، وقد نشرت لي جامعة فلوريدا الأميركية دراسة علمية كتبتها حول الكتابة الإبداعية العلاجية. كما ظهرت أعمالي القصصية في ندوات وأمسيات قصصية ومسرحية في الكويت بمهرجانات دولية معروفة برعاية مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وجامعة الكويت، وتوسعت دائرة مسرحياتي المونودرامية النفسية فوصلت لمصر، وعُرضت على مسرح مكتبة الاسكندرية الشهيرة بالعالم، وكذلك في مهرجان ساقية الصاوي للمونودراما، وفي المغرب بجامعة عبدالمالك السعدي، وفي مهرجانات ثقافية متعددة في الرباط والناظور وتطوان، وكذلك قامت مؤسسة أكاسيا للفنون بالجزائر وبرعاية وزارة الثقافة الجزائرية بعمل أول ورشة علاجية بالدراما اعتمادًا على نصوصي المونودرامية، وأنا سعيدة بذلك، وفي مجال الترجمة فقد تُرجمت مجموعتي القصصية «رحيل البحر» للإنكليزية من نائب مدير مكتبة الكونغرس د. آنشي ديانو، وبعض قصصي ترجمت للألبانية ونشرت بمجلة شهيرة بألبانيا. • هل تتخوفين من أقلام النقاد؟ وهل أنصفوك في ظل هذا الموج الشعري والنثري المتصاعد؟ - أي أديب وكاتب حينما ينشر عليه أن يتحمل مغامرة النشر، فالنشر يعني أن يكون عملك في عيون المتلقين عامة، وعين الناقد بصفة خاصة، وإن كان كل من هب ودب بعالمنا العربي قد أصبح ناقدًا ومحللاً أدبيا وفنيا، ولكنني ولله الحمد، لم أتعرض لانتقادات سلبية في الدراسات النقدية لكتاباتي من النقاد العرب في العالم العربي، حيث إنهم مشكورين عثروا على جوانب فكرية إيجابية مشرقة برؤية فنية جديدة، فجاءت دراساتهم محفزاً كبيراً لي من فضل الله -عزّ وجل- وهذه الدراسات منشورة بكتب من بينها دراسة نقدية عن كتاباتي الأدبية صدرت في كتاب من جامعة محمد الأول بمدينة وجدة، وكتاب للناقد جميل حمداوي، ودراسات أخرى كثيرة من نقاد العالم العربي بالصحف الإلكترونية والورقية، وأنا أحترم رأيهم، وأشكرهم لكل كلمة كتبوها عني وعن كتاباتي القصصية والمونودرامية، فقد كانت مشجعًا كبيرا للاستمرار في عالم الكتابة. • لك الريادة أستاذة في ربط الأدب عامة والمسرح خاصة بالعلاج النفسي من زاوية أكاديمية علمية، وجمعت بين الأدب والطب بأبحاث علمية. هل تحقق ما كنت تتطمحين للوصول إليه؟ ومادور مسرحياتك المونودرامية في ذلك؟ - نعم، قطعتُ شوطا طويلا فيها، ولله الحمد، خصوصا أنني متعمقة في كتابة المسرح المونودرامي المتجذر بأعماق النفس، ولكن بدأت أبحاثي في الكتابة العلاجية، أبحاث مهمة تتعلق باكتشاف الذات وفي علل النفس وتبحث في طرق شفائها عبر الكتابة التعبيرية والانعكاسية، وأيضا في مجال القصص والمسرح العلاجي، وقد بدأتُ فيها منذ أكثر من عشر سنوات، وكانت البداية مع الكتابة العلاجية، ونشرتُ كتابا في هذا المجال يحمل عنوان «كلماتك قد تغير حياتك» بالاشتراك مع الباحث العالمي الشهير البروفيسور جيمس بينيبكر الأستاذ في جامعة تكساس الأميركية، وكذلك نشرت بحثاً علمياً خاصاً بي في مجلة السايت آرت التي تصدر عن جامعة فلوريدا، وبعدها انطلقتُ إلى ما أسميته «المسرح الانعكاسي» وهو تجربة علاجية متطورة. وكنتُ آنذاك منغمسة في عالم كتابة المونودراما على مستوى الكتابة الأدبية، وهو مسرح البطل الواحد، ولكنني توسعتُ في المسار النفسي للشخصيات المونودرامية بشكل نفسي مكثف جدا وعميق، وهذا مادفعني لعمل دراسة في المونودراما كعلاج نفسي، حيث رأيتُ جانبا علاجيا فيها على مستوى الكتابة وعلى مستوى الأداء، وهذا مسار علمي جديد في الفنون الأدبية العلاجية، وله بالطبع آلية خاصة وضعتها بعناية شديدة وبعد تطبيقات ميدانية، وعرضتها في حلقة نقاشية وعروض مونودرامية نفسية ضمن المؤتمر الأول من نوعه بالعالم العربي الذي نظمته شخصيا تحت رعاية مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وكان تحت عنوان: الأدب والطب... علاقة تناغمية، وكذلك شاركت في محاضرة في كلية الطب في جامعة الاسكندرية تلبية لدعوة رئيس قسم الطب النفسي. * كاتب وصحافي مغربي
مشاركة :