حلمي موسى أعادت تطورات الأسابيع الأخيرة وخصوصاً دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى الواجهة مجدداً مسألة التسوية السياسية وفي مركزها حل الدولتين. وفي اللقاء بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والفلسطيني محمود عباس جرى الحديث عن محاولة لبلورة تحرك وخطة سياسية في وقت قريب، تقود إلى التسوية. أعلن عباس في خطابه أمام الجمعية العامة أن الصمت عن استمرار الاستيطان يدفع باتجاه وأد حل الدولتين ولا يبقى أمام الفلسطينيين سوى حل الدولة الواحدة. ورغم توجه الأمم المتحدة لمكافحة الاستيطان واعتباره العقبة أمام حل الدولتين فإن رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو استغل احتفالات الدولة العبرية بـ«اليوبيل الفضي» لمشروع الاستيطان في الضفة الغربية ليعلن أنه لن يحدث تفكيك آخر لمستوطنات. ويبدو أن نتنياهو نال التشجيع من إدارة ترامب التي أعلن سفيرها في «تل أبيب» ديفيد فريدمان أن «إسرائيل» لا تحتل أرضاً فلسطينية.وقد أعلن المبعوث الدولي إلى الشرق الأوسط، نيكولاي مالدنوف في تقريره الدوري الثالث إلى مجلس الأمن الدولي أن الكيان الصهيوني ينتهك بشكل منهجي قرارات مجلس الأمن ويواصل البناء في المستوطنات. وقال إنه منذ شهر يونيو/حزيران الفائت واصلت «إسرائيل» بشكل دؤوب البناء في المستوطنات مع تركيز خاص على القدس الشرقية. وأشار إلى أن حكومة نتنياهو أقرت خلال الفترة المذكورة بناء أكثر من 2300 وحدة استيطانية في القدس الشرقية وهي زيادة بنسبة 30 في المئة عما أقرته في العام 2016 بأكمله. وفي إشارة لافتة حذر مالدنوف من أن «استمرار البناء في المستوطنات يجعل حل الدولتين مشروعا غير قابل للتحقيق» مؤكدا أن الاستيطان يشكل انتهاكا للقانون الدولي. وأضاف أن قادة «إسرائيل» يواصلون التصرف والحديث بشكل استفزازي عن توسيع الاستيطان في الضفة الغربية. ولم يتردد في تأكيد أن «إسرائيل» مسؤولة عن «هدم بيوت في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهي بذلك تقوض فكرة السلام».ومن الجلي أن كلام مالدنوف يستقيم مع خطاب الرئيس عباس أمام الجمعية العمومية حينما أكد استمرار تمسك الفلسطينيين بحل الدولتين فيما تعمل حكومة نتنياهو على تقويض هذا الحل بمواصلتها الاستيطان ورفضها إيقافه رغم قرارات مجلس الأمن. وحذر من أنه «إذا تحطم حل الدولتين فلن يكون أمامنا خيار سوى مواصلة النضال والمطالبة بحقوق كاملة لكل سكان فلسطين التاريخية» موحياً بحل الدولة الواحدة. وقال إنه لا يمكن للسلطة البقاء من دون صلاحيات وأنه «إذا لم ترغب «إسرائيل» بحل الدولتين، فعليها تحمل المسؤولية والعواقب».ولا يبدو أبدا أن كلام مالدنوف وتحذيراته ولا كلام الرئيس عباس غيرا من وجهة حكومة نتنياهو التي لا تخفي تطلعاتها. ورغم تحذيرات نتنياهو لوزرائه من احتمال إقدام إدارة ترامب على عرض خطة سياسية لتحريك مفاوضات التسوية فإنه لا يعكس هذا التحذير في خطواته الفعلية. وعدا عن إقرار خطط استيطانية في الضفة والقدس الشرقية أعلن نتنياهو في احتفالات اليوبيل الفضي للاستيطان أنه لن يكون هناك أي إخلاء للمستوطنين بعد اليوم. وقال: «نحن هنا لكي نبقى للأبد. لن يكون هناك أي اقتلاع لمستوطنات في أرض «إسرائيل»».وقطع نتنياهو الطريق على أي التباس فأعلن أن «هذا ميراث آبائنا، وهذه أرضنا. عدنا إلى هنا كي نبقى للأبد. لن يكون هناك أي اقتلاع لمستوطنات في أرض «إسرائيل». وقد ثبت أن ذلك لا يساعد في تحقيق السلام. اقتلعنا مستوطنات، وتلقينا صواريخ. لن يتكرر ذلك. وهناك سبب ثان لكي نحافظ على هذا المكان. السامرة (الضفة الغربية) هي ذخر استراتيجي لدولة «إسرائيل». وهي مفتاح مستقبلها، لأنه من هذه المرتفعات العالية، والمرتفعات العالية في جبل حتصور، نشاهد البلاد من الطرف إلى الطرف».وفي رسالة إلى الأسرة الدولية قال إنه يبلغ الزعماء الأجانب الذين يزورون الكيان: «تخيلوا أن قوات إسلامية متطرفة تسيطر على هذه القمم. هذا سيعرضنا للخطر، وأيضاً يعرضكم للخطر، وكل جيراننا، وكل المنطقة والشرق الأوسط بأسره. وعلى ضوء ما يحصل حولنا في الشرق الأوسط، فمن الممكن تخيل النتائج، علينا وعلى شارع 6 وعلى مطار اللد. ولذلك فنحن لن نتنازل، سنحافظ على السامرة، وإزاء من يطالبنا بالاقتلاع، سنقوم بتعميق الجذور، ونبني ونمكّن ونستوطن».وبديهي أن كلام نتنياهو لا يدع مجالاً للشك بأن تلميحاته السابقة في خطاب هرتسليا بشأن حل الدولتين لا تحمل أي معنى. ومعروف أن «إسرائيل» والإدارة الأمريكية تحاربان المساعي الفلسطينية، المدعومة عربياً، لنيل العضوية في المحافل والمنظمات الدولية. وكانت آخر المحاولات الفاشلة لمنع هذه المساعي ما جرى في منظمة الشرطة الدولية «الإنتربول» حيث أعرب نتنياهو عن غضبه من قرار منح العضوية لدولة فلسطين معلناً أن الرد من الجانبين سيأتي. ومعروف أن السلطة الفلسطينية غير مرتاحة أبدا لموقف الإدارة الأمريكية غير الملتزم علناً بحل الدولتين. وتجد في مواقف السفير الأمريكي في «تل أبيب» ديفيد فريدمان المؤيدة للاستيطان دلالة على عدم جدية الكلام الأمريكي حول خطة جديدة للسلام.ومن المؤكد أن ما كشفته «معاريف» مؤخراً عن خطة التهويد التام للقدس والتي وضعتها عضو الـ«كنيست» من الليكود، عنات باركو، عبر إخراج الأحياء العربية من إطار القدس لإيصال الأغلبية اليهودية بين سكانها إلى نسبة 96 في المئة. ومعروف أن هذه خطة يدعمها نتنياهو وأعدت بناء على طلبه.وليس صدفة أن انهيار حل الدولتين يقضي على احتمالات التسوية ويفتح الباب أمام انفجارات لا تتوقف في الصراع التاريخي. وهذا ما دفع افتتاحية «هآرتس» قبل أيام للقول بأن على العالم أن لا يبقى غير مبالٍ تجاه الاندثار المتسارع لحل الدولتين بسبب «قيادة بنيامين نتنياهو عديمة المسؤولية». وأشارت الصحيفة إلى أن إعلان نتنياهو أن لا إخلاء لاحق للمستوطنات «يعني نهاية الأمل لحل الدولتين، الذي في أساسه المعادلة البسيطة والعادلة: الأرض مقابل السلام». helmi9@gmail.com
مشاركة :