ايمان عطية | عندما لحقت جاغوار لاند روفر بشركة فولفو في تحولها الى مستقبل السيارات الكهربائية، لم تكن شركة صناعة السيارات تتحدث عن السيارات الهجينة والبطاريات فقط. فكما أظهر الرئيس التنفيذي لشركة جاغوار أن شركته، مثل الحكومات والشركات النفطية، تستيقظ أخيرا على الصدمات العالمية التي تتسبب بها السيارات الكهربائية. وهي صدمات أكثر عمقا مما اذا كان السائقون سيستخدمون مضخة وقود أو قابس كهرباء. وأشار رالف سبيث الى أن تأثير السيارات التي تعمل بالبطارية على الطلب على النفط، و«الضغوط الكبيرة» التي يمكن ان تواجهها ميزانيات الدول المنتجة للنفط «يمكن أن تؤدي الى اجبار العديد من الحكومات على فرض تخفيضات كبيرة في الانفاق خلال السنوات الخمس المقبلة، مما سيجهد مستويات المعيشة ويخلق اضطرابات في المناطق التي تعاني أصلا من عدم الاستقرار. لذا فان التغييرات في التنقل والتكنولوجيا ستغير الخريطة الجيوسياسية للعالم». ويبدو أن هذه التغييرات باتت أقرب بكثير بعد فورة الاعلانات عن السيارات الكهربائية التي شهدها هذا الصيف. اذ اصطفت شركات صناعة السيارات في قائمة الانتظار لتتعهد جميعها بأن موديلات سياراتها الجديدة ستكون اما هجينة أو كهربائية. وسلمت «تيسلا» التي يرأسها ايلون ماسك أول اصدارات الانتاج للسوق الشاملة من موديل 3. وقالت المملكة المتحدة وفرنسا انه سيتم حظر مبيعات سيارات البنزين والديزل اعتبارا من عام 2040 بينما توقع أحد البنوك أن تكون جميع مبيعات السيارات الجديدة في اوروبا كهربائية قبل خمس سنوات من ذلك التاريخ. في حين قالت شركة أوبر إن جميع سياراتها في لندن ستكون كهربائية بالكامل أو هجينة بحلول عام 2025. وأثناء معرض فرانكفورت للسيارات الذي أقيم مؤخرا، كان هناك مزيد من الالتزامات والمزيد من المنافسة بين شركات صناعة السيارات على من سيكون أسرع في التحول الى انتاج السيارات الكهربائية. تشكيك شركات النفط الا أن المتشككين يقولون إن هناك حاجة للتحقق من الواقع حيال الحماس والضجيج المفرط بشأن السيارات التي تعمل بالبطارية. ويشيرون الى حقيقة أن هناك مليونين فقط منها في عالم فيه أكثر من مليار سيارة. مشيرين الى أنه حتى مع الاعانات لا تزال أغلى من بدائل البنزين والديزل. كما يتساءلون ما اذا كان هناك ما يكفي من نقاط الشحن أو توليد الكهرباء. ومن غير المفاجئ أن تكون شركات النفط الكبرى ضمن هذا الفريق المشكك. اذ قالت شركة بريتيش بتروليوم (بي بي) ان السيارات الكهربائية لن تكون «مغيرا للعبة» الطلب على النفط بسبب تزايد الازدهار في العالم النامي. وفي الأسبوع الماضي، رأت شل أن وفورات الوقود من تحسن الكفاءة في محركات الاحتراق الداخلي سوف تفوق نظيرتها من السيارات الكهربائية بثلاثة أضعاف. وتعتقد الشركة البريطانية الهولندية أن الطلب على النفط لن يصل الى ذروته حتى منتصف العقد الثالث من الألفية على الرغم من التوقعات بأن تشكل السيارات الكهربائية والهجينة %35 من مبيعات السيارات الجديدة بحلول ذلك الوقت، مقارنة بــ %1 حاليا. وقال غي أوتين، نائب الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والمحافظ في شركة شل «حتى يحصل تغيير جذري في الطلب في وقت أبكر من العقد الثالث من الألفية (ذروة الطلب على النفط)، يجب أن يكون هناك تغيير في الطلب، ولن يأتي هذا التغيير من السيارات الكهربائية». لكن اجراءات الشركة قد تروي قصة مختلفة. فهي تتحوط عن طريق تحويل محفظتها بشكل متزايد بعيدا عن النفط نحو الغاز، الذي يمكن أيضا تزويد محطات الطاقة الكهربائية الجديدة التي ستحتاجها السيارات الكهربائية. ولم يكن سجل عمالقة النفط في التنبؤ بنمو التكنولوجيات الذي تحدث اضطرابا وتحديات كبيرة دائما ممتازا، فعلى سبيل المثال، قللت توقعات شركة بريتيش بتروليوم باستمرار من معدل نمو طاقة الرياح والطاقة الشمسية. كما توقعت جهات أخرى، مثل مركز الأبحاث «كاربون تراكر» المؤثر، أن الصعود السريع للسيارات الكهربائية يمكن أن يوقف نمو الطلب على النفط في عام 2020. ويتوقع خبراء مثل بلومبيرغ وديفيد بيلي من جامعة أستون أن تحدث نقطة تحول خلال العقد الحالي في بعض أنحاء العالم، عندما تصبح السيارات الكهربائية منطقية من الناحية المالية للسائقين أكثر من تلك التي تعمل بمحرك الاحتراق. وفي حين أن شركات النفط على حق في أن الصينيين والهنود الذين يزدادون ثراء سيقبلون على شراء السيارات، يبدو أنها تتجاهل حقيقة أن السيارات الكهربائية تقدم حلولا لمشاكل تلوث الهواء في تلك البلدان، والتي يدفع مواطنوها باتجاه منحها مزيدا من الاهتمام في الأجندة السياسية. وبالتالي فان العالم يتجه نحو التغيير العميق الذي أشار اليه سبيث. والسؤال هو متى سيحدث ذلك؟ والجواب يبدو أنه في وقت أقرب مما يعتقد الكثيرون. الشركات العالمية تتوسع في إنتاج هذا النوع من السيارات أظهر تقرير اقتصادي أنه بحلول 2022 سيكون هناك 50 نوعاً من السيارات الكهربائية في الأسواق، كجزء من تحول شركات صناعة السيارات العالمية إلى وسائل نقل أقل تلويثاً للبيئة. وكجزء من هذا التحول أعلنت مجموعة جنرال موتورز الأميركية لصناعة السيارات اعتزامها تقديم سيارتين كهربائيتين جديدتين خلال 18 شهرا و20 سيارة كهربائية جديدة بحلول 2023. ليس هذا فقط بل إن شركة دايسون لصناعة المكانس الكهربائية قررت دخول المجال وأعلنت اعتزامها إنتاج سيارات كهربائية وبطارياتها خلال السنوات المقبلة. وبحسب «بلومبرغ» فإن من بين أسباب اندفاع الشركات نحو السيارات الكهربائية قرار حكومة ولاية كاليفورنيا بإلزام منتجي السيارات بصناعة سيارات كهربائية، أو دفع أموال للحكومة، إلى جانب قرارات الصين بشأن إنتاج السيارات الكهربائية. ويقول إريك جواكيمستيلر الرئيس التنفيذي مؤسس شركة فيفالدي لتخطيط الاستراتيجيات إن القواعد الحكومية وشركة تيسلا لصناعة السيارات الكهربائية أجبرت شركات صناعة السيارات الكبرى على دخول عالم صناعة السيارات الكهربائية. يأتي ذلك في حين تواجه هذه الشركات خسائر كبيرة لأن المستهلكين لا يقبلون على شراء السيارات الكهربائية، إلى جانب استمرار أسعار البطاريات المرتفعة. على سبيل المثال تخسر «جنرال موتورز» حوالي 9 آلاف دولار لكل سيارة تبيعها من طراز «شيفورليه بولت إي.في» الكهربائية. في حين أن «فيات كرايسلر» الإيطالية الأميركية تخسر 20 ألف دولار مع بيع كل سيارة كهربائية من طراز «فيات 500 إي»، وفق ما أكده سيرغيو مارشيوني الرئيس التنفيذي للشركة. ومن المتوقع اتجاه أسعار بطاريات الليثيوم المؤين المستخدمة في السيارات الكهربائية نحو الانخفاض حيث أشارت جنرال موتورز إلى أن تكلفتها الآن تصل إلى 145 دولاراً لكل كيلوواط/ساعة، في حين تستهدف الوصول إلى 100 دولار لكل كيلوواط/ساعة. وتتوقع «بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة» انخفاض التكلفة إلى 109 دولارات لكل كيلوواط/ساعة عام 2025 ثم إلى 73 دولاراً لكل كيلوواط/ساعة عام 2030، حيث ستزيد مبيعات السيارات الكهربائية في هذه الوقت عن مبيعات السيارات التقليدية التي تعمل بنظام الاحتراق الداخلي. وتعتبر الصين سببا رئيسيا في اتجاه الشركات الكبرى نحو التوسع في إنتاج السيارات الكهربائية، بعد إعلانها حظر استخدام السيارات التقليدية بحلول 2030. ويقول مارشيوني إن على شركات السيارات الكبرى التخلي عن تراثها التقليدي والإسراع باتخاذ قرار التحول إلى عصر المحرك الكهربائي حتى تستطيع مواجهة اللاعبين الجدد في هذه السوق. (القاهرة، نيويورك- د.ب.أ)
مشاركة :