تشيد الكاتبة والممثلة الفلسطينية رائدة طه، بمفردها على خشبة المسرح بيتا فلسطينيا بعمرانه وأثاثه وصوت بحر حيفا من ورائه وتستعيد سكانه قبل ما يعرف بالنكبة لتحكي من خلاله قصة عائلتين فلسطينيتين تشكلان رمزا للقضية وشتات ناسها. تدور أحداث المونودراما «مسرحية الممثل الواحد»، في حيفا زمن هجرة الفلسطينيين من أرضهم عام 1948، وتحديدا في شارع يحمل اسم العمل المسرحي «36 شارع عباس- حيفا»، وهو عنوان منزل العائلتين. تبدأ المسرحية التي استمرت على مدى ساعة ونصف الساعة بالنشيد الإسرائيلي وتنتهي بالنشيد الفلسطيني، في دلالة على استمرارية فلسطين. وقد انطلق عرض المسرحية على مسرح المدينة في بيروت في 28 سبتمبر/ أيلول، ويستمر حتى 15 أكتوبر/ تشرين الأول، وتؤدي فيه رائدة طه أدوارا لشخصيات عدة على الخشبة وتتنقل بين الزمن من النكبة إلى النكسة ثم فلسطين الحالية وواقعها. كتبت طه هذا النص عن تجربة شخصية، فيما تولى الإخراج اللبناني جنيد سري الدين، محولا بنيته إلى مونودراما حكواتية تحتوي على قصص تأخذ شكل الكوميديا السوداء. على خشبة المسرح تدخل رائدة طه إلى منزل يقع في شارع عباس في حيفا وتنقب بين محتوياته لتروي قصة عائلة أحمد أبو غيدا لدى مغادرتها حيفا عام 1948. في تلك الحقبة تقول طه في المسرحية، إن الناس شاهدوا «سفنا حاملة فلسطينيين رايحين وسفنا حاملة يهود جايين». تتشتت العائلة الفلسطينية على دول عدة ويحتل منزلها رجل نمساوي يدعي إبراهام، ومنه يشتري المحامي الفلسطيني علي الرافع شقة يسكن فيها إلى الآن مع زوجته. ومن هنا تبدأ فصول المسرحية وتحتدم بعد تصميم عائلة الرافع على إعادة المالكين الأوائل إلى منزلهم. لم تشعر سارة زوجة الرافع يوما بالانتماء إلى تلك الدار وكانت تعمد دائما إلى تربية أولادها على أن هذا البيت ليس لهم. وتعالج المسرحية جدلية الشتات الفلسطيني من منظار عائلة الرافع التي بقيت في حيفا وحملت الجنسية الإسرائيلية، وعائلة أبو غيدا التي طردت من مدينتها وأصبحت في عداد اللاجئين. ويشكل شارع «36 عباس- حيفا» للعائلتين الوطن الضائع. وترتدي طه شخوص المسرحية بإتقان وتحاكي زمنا مؤلما يطل من بين سنواته والدها الحقيقي علي طه الذي انطلق من مطار اللد لخطف طائرة إسرائيلية عام 1972. وقالت طه في مقابلة مع «رويترز»، «هاي القصة حقيقية تفاصيلها تقريباً كلياتها حقيقية. وأنا بعرف فؤاد أبو غيدا. اتعرفت عليه لما إجا على حيفا. وإحنا كتير أصدقاء مع نضال الرافع. وبشكرها كتير على ها الهدية اللي هدتني إياها. وأنا كنت شاهدة على هذا الموضوع وصار لي سنة كنت بعمل أبحاث عشان أكتبها. ما فارقتني هاي القصة… هاي القصة حصلت بالـ 2010، لما أبو غيدا رجع بس حبيت إن أبدأ بقصتي بس ما فارقتني. كل الوقت كانت محطوطة بجارور من جوارير عقلي. لما أجا الوقت المناسب حكيت عنها». ولدت رائدة طه في القدس وغادرتها إلى عمان في حرب 1967، ثم إلى بيروت فالولايات المتحدة حيث نالت شهادة الماجستير في الإعلام قبل أن تعود إلى رام الله وتشغل منصبا إداريا في إحدى المؤسسات الثقافية. وقال مخرج المسرحية اللبناني جنيد سري الدين، «بهيدي الحكاية كان الأساس إن أحافظ على رائدة كحكواتية على الخشبة.. شخص يخبرنا الحكاية وتاني شي أقدر أعكس الشخصيات إللي هني جزء من ها الحكاية والمكان.. بالتالي كان الخيار أن تكون رائدة لوحدها.. من خلالها عم نشوف كل ها العلاقة مع المكان والشخصيات.. من خلالها هي عم تنقلنا هي الحكاية بجسمها.. وعم تخلق المكان إللي حولينا.. هيدا المكان إللي بيضل بمطرح متخيل بس.. مش مجسد بأشيا مادية لأنه متل فلسطين يلي صعبة علينا أن نخرقها أو نروح نصورها أو نجسدها عملياً». وقالت واحدة ممن شاهدوا المسرحية وهي زينة عواد، «المسرحية كتير واقعية وقوية وتاريخية.. يعني أنا لبنانية وأنا ربيت بالحرب وما كتير بعرف عن القضية الفلسطينية بس هي تاني مسرحية بحضرها ورائدة فظيعة بتعبر عن كل المشاعر إللي معقول يحسها الشعب اللي عاش هيدول المأساة.. فينا نحن كمان نشوف حالنا فيها لأن نحن كمان عشنا التهجير وحرب ووو». أما عماد عبود اللبناني المقيم في أستراليا، والذي يقضي عطلة في بيروت فقال، «كل موضوع وكل قصة وكل شخصية.. قدرت توصلها بطريقة كتير كتير فنية.. وبنفس الوقت جذبت يعني الشعور والعاطفة والقضية بنفس الوقت يعني كانت استثنائية (بالإنجليزية)». واشتهرت رائدة طه بمسرحية «ألاقي زيك فين يا علي»، التي تحكي قصة أبيها.
مشاركة :