الأخبار الزائفة تضخم صوت الهتاف ـ

  • 10/8/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

نحن مضطرون إلى تشغيل دائم لحاسة “المؤامرة” من أجل فحص ما نقرأه يوميا، ألا توجد حقيقة في كل ما نطلع عليه ما يوصلنا في النهاية إلى أن كل شيء يمكن أن يكون كاذبا، الأكاذيب المتصاعدة والمستمرة لا توحي للتاريخ بأننا عشنا العصر الأكثر ازدهارا في العلوم والتكنولوجيا. الكذب في تلفيق التقارير والأخبار صار مألوفا كالملح في الطعام، إلى درجة أن تطاير من هذه الأكاذيب ما يمس كتاباتي وما يمسني شخصيا بـ”غربان تنعق خارج السرب”! فإذا صدقنا مواقع التزييف الإعلامي، أكون قد فصلت من عملي، وهذا العمود الذي تقرأونه الآن هو محض خيال، ولكن أوهام الغربان التي ترتدي ربطات العنق وتطمح أن تدخل التاريخ لنشر الأكاذيب بأجنحة من رماد، لا يمكن أن تكون إلا من ضمن نظرية الكذب الإعلامي السائدة. في عالم انقلب رأسا على عقب من خلال الأخبار المزيفة والحقائق البديلة، هناك فجوة عجيبة بين ما يقوله العالم الخارجي وما يجري في مناطق الحروب والتهجير القسري والتطهير العرقي، ذلك ما تصفه صحيفة فايننشيال تايمز “عالم الأخبار المزيفة والحقائق البديلة”. هذا العالم تجسد بامتياز جديد هذا الأسبوع بعد أن روجت المنصات الكبرى أخبارا كاذبة تدعي أن مطلق النار الذي قتل أكثر من خمسين شخصا في لاس فيغاس كان من الحزب الديمقراطي ومعارضا للرئيس الأميركي دونالد ترامب. وانتشر سوء التعريف سريعا من الزوايا المظلمة للإنترنت إلى منصات رئيسية مثل غوغل وفيسبوك وبعد ساعات فقط من إصابة المئات في مهرجان بالقرب من فندق ماندالاي، وهو آخر مثال على أخبار مزيفة تلوث وسائل الإعلام الاجتماعية وسط لهفة متابعة الأخبار العاجلة. الجمهور بحاجة إلى الهتاف في مثل هذه الجرائم الشنيعة، والأخبار الزائفة تقرب فرصة اختيار نوع الهتاف مثلما تضخم من الدوي كي تحصل على المزيد من الاستقطاب، وفق بروك بينكوفسكي مدير تحرير موقع التحقق من الحقائق Snopes.com، الذي يقول “هناك نوع من التدافع الجنوني لرسم هوية مرتكب المجزرة كديمقراطي أو جمهوري، حتى يتمكنوا من الهتاف، مثل هذا الأمر دفع الكثيرين من المتصيدين إلى الدخول عمدا في خضم المحادثة عن فكرة زائفة”. المحتوى الكاذب يمكن أن ينتقل بسرعة من وسائل الإعلام الاجتماعية إلى مصادر الأخبار المشروعة، ويسهل على المستخدمين الحصول على غرضهم من تلك الأخبار لترويج فكرة يتوقون إليها وإن كانت زائفة، وهذا ما يسميه بينكوفسكي بـ”القرف في دورة الأخبار على تويتر”. أو ما اعتبره دارل عيسى، أحد كبار أعضاء الكونغرس من الجمهوريين، بأن شركة فيسبوك أمضت وبشكل خاطئ وقتا فوق الحد لتوضح أنها ليست جهة حزبية. وقال عيسى لصحيفة فايننشيال تايمز “إنهم يحاولون إدارة الأمر من خلال القول نحن لسنا أعضاء في الحزب الديمقراطي، أعتقد أنه فاتتهم النقطة، هناك مشكلة في الالتزام، لا تبدو فيسبوك مجهزة بالأنظمة المناسبة لتتمكن من حماية نفسها”. الخبر الملفق بشأن الديمقراطي مرتكب مجزرة لاس فيغاس، سيتكرر مع الأحداث الكبرى في أمر أشدّ خطورة، وسيكون هناك المزيد من الأخبار التي تسقط وسائل إعلام كبرى في الفخ المزيف. وسيتفاقم القلق من خطاب الكراهية والأكاذيب مقابل حرية التعبير وسط كل هذا الهرج والمرج، الأمر الذي دفع ماثيو برينس الرئيس التنفيذي لشركة كلاودفلير، وهي شركة البنية التحتية على شبكة الإنترنت التي حذفت موقع ديلي ستورمر اليميني من قائمة عملائها، تحت ضغط جماهيري ضخم وضد سياسات الشركة المعلنة. إلى القول “استيقظت بمزاج سيء وقررت عدم السماح لشخص ما بالوجود على الإنترنت، لا أحد يجب أن يكون لديه تلك السلطة”. مهلا أيها السيد ماثيو لقد جرب قبلك الإجابة على هذا السؤال “من يتحكم بالإنترنت” وفشل. لقد حاول جاك غولدسميث وتيم وو مؤلفا كتاب “من يحكم الإنترنت؟ أوهام عالم بلا حدود” وهما من بين علماء القانون الأكثر إبداعا في جيلهم، بأن يتعاطفا مع الرومانسية المجردة في النظر إلى السلطة والعولمة تجاه الفضاء الإلكتروني، لكن حتى الحكومات الديمقراطية تعاني من مشكلات خطيرة في ما يتعلق بالإنترنت، لأنها ليست ضامنا محبا وعطوفا كبيرا يعمل للصالح العام. فمن يستطيع بعدها أن يوقف سيل الأكاذيب المستمرة، شركات التكنولوجيا القوية لديها تلك السلطة. يقول نواح ثيران المتحدث باسم جمعية الإنترنت، وهي مجموعة للصناعة تمثل شركات غوغل وفيسبوك “صناعة الإنترنت بأكملها تريد إنهاء الاتجار بالبشر، ولكن هناك طرقا للقيام بذلك دون تعديل قانون أساسي لخدمات الإنترنت المشروعة”. لقد أصبح مارك زوكربيرغ مُدركا لمسؤوليات شركة فيسبوك تجاه “مجتمعه”، لكن محاربة الأخبار الزائفة كانت أيضا قرارا يتعلق بالأعمال، كما قالت نتاشا لامب المتخصصة بآثار الاستثمار الاجتماعي “إن الأخبار الزائفة يُمكن أن تؤثر في سمعة شركة فيسبوك، حيث إن الناس يتعبون من موقع فيسبوك ويتركون المنصة جراء ذلك السيل من الغثاء”. وتحت وطأة سيل الغثاء الذي بات يحاصرنا منذ صباح كل يوم، سيتساءل مؤرخو المستقبل في النهاية لماذا عشنا في جو من الأكاذيب والكراهية.   كرم نعمة karam@alarab.co.uk

مشاركة :