النص الأدبي ليس سيرة ذاتية خاصة بقلم: حنان عقيل

  • 10/9/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

النص الأدبي ليس سيرة ذاتية خاصةألقت عوالم الاحتلال بظلالها على ما يسطره أدباء فلسطين من إبداع حتى اللحظة الراهنة وإن اختلفت الطرائق والرؤى، فلا تزال هناك كثير من الإبداعات ترزح تحت ارتهانات الواقع الفلسطيني. “العرب” حاورت القاص والشاعر خالد الجبور في حديث عن مجموعته القصصية الأخيرة وعوالم الكتابة القصصية وأدب الطفل.العرب حنان عقيل [نُشر في 2017/10/09، العدد: 10776، ص(15)]الكاتب يحتضن قضايا المهمشين (لوحة للفنان محمود حماد) في المجموعة القصصية الأخيرة لخالد جبور بعنوان “24 قصة قصيرة”، الصادرة مؤخرا عن دار “الأهلية للنشر والتوزيع”، ثمة حضور مشهدي لوطأة الاحتلال وتأثيره على الشعب الفلسطيني، من خلال مشاهد عابرة تحمل ألما ما وأحيانا أسئلة لا تكتب لها الإجابة أبدا. يقول الجبور “صدرت مجموعتي الأولى ‘الحصول على الرغيف كاملا’ حين كنت طالبا في الجامعة سنة 1984، وهذه مجموعتي القصصية الثانية، اخترت قصصها الأربع والعشرين من حوالي ستين قصة قصيرة كتبتها خلال ما يقارب 30 عاماً، وهي قصص أقرب إلى المختارات ليس لها فضاء خاص بها”. كابوس مستمر يتابع القاص “تختلف مجموعتي هذه عن مجموعتي الأولى اختلافا أظنّه كبيرا، خصوصا في الجوانب الفنية، أما في الموضوع فثمة تقارب وتقاطع بين المجموعتين، إذ أن همّي الأساسيّ فيهما هو التعبير عن صراع شعبنا الفلسطيني ضد الاحتلال. تنقسم المجموعة إلى جزأين، في الجزء الأول نصوص مرتبطة بالاحتلال، أما الثاني فينتمي إلى الواقع الاجتماعي والإنساني على نحو عام. ويلفت الجبور إلى أن حياته الشخصية لم تنفصل لحظة عن وجود الاحتلال، فهو كابوس مستمر، ينعكس على أحلامه في الليل، وينتصب كالجدار أمام حركته في النهار، فارضا وطأته الثقيلة على أبسط الحقوق، وهذه حال كل إنسان يمتلك أدنى حسّ بالكرامة. فالاحتلال الصهيوني لفلسطين، كما يقول الكاتب، واستمرار هذا الاحتلال بكل ما يمثله من سيطرة وقمع وانتهاك وسلب حقوق، لا يمكن التعايش معه، خصوصا وأن الشعب الفلسطيني هو آخر شعب على الأرض ما يزال يرزح تحت الاحتلال. يعتقد الجبور بأن الكاتب يكتب نفسه، أو يكتب عن الآخرين من خلال انطباعاته عنهم، أي أنه ينطلق من التجارب التي عاشها أو عايشها، وأن نجاح عمله الأدبي يرتبط بما يتركه من تأثير في المتلقي، وبقدرته على إشراك القارئ في المقروء، فالنص الأدبي ترجمة تمزج الذاتي بالعام، وليس سيرة ذاتية خاصة. نوستالجيا الوعي تبدو النوستالجيا حاضرة في جلّ ما يكتب الجبور، سواء كان شعرا أم نثرا. في ديوانه الشعري “كرنين أجراس بعيدة” تعلو أصوات جرس النوستالجيا؛ حياة الطفولة وما علق بها من مشاعر ورغبات بكر. يقول الجبور “أنا أفرّق بين نوعين من النوستاليجيا، النوع الأول الأشبه بالندب وذرف الدموع على الماضي الذي تولّى، ولم يعد بالمقدور تعويضه أو تجاوزه، والنوع الثاني الذي يهدف إلى إثبات هوية، أو تعميق فكرة، أو بث الوعي بقضية ما، وفي ظنّي أن النوستاليجيا في نصوصي القصصية والشعرية تنتمي إلى النوع الثاني”. ينوّه الجبور بأنه إذا كان الأدب انعكاسا للواقع، فإن الكاتب الفلسطيني لا يمكنه الخلاص من مشاعر المقاومة، وسوف تستمر نصوص المقاومة جيلا بعد جيل، وإن اختلفت طرائقها ورؤاها بحسب ما يفرزه الواقع من مستجدّات وحقائق جديدة.خالد الجبور: الكتابة للطفل أكثر حساسية من الكتابة للكبار، فالطفل كائن عبقري يبيّن الجبور بأن تأثير كتابته للشعر على كتابته القصصية يصعب تبيّنها وتتبعها بشكل واضح، فبين الشعر والسرد مسافة كبيرة تصنعها الاعتبارات الفنية، ودائما ما يجد نفسه منفصلاً عن الشعر حين يتورّط في السرد، والعكس صحيح كذلك، لافتا إلى أن الشعرية في القصة يجب أن تكون مبثوثة داخل القصة بما لا يضرّ السّرد، ولا يميّعه، أو يصبح عبئا عليه. كتب الجبور في القصة القصيرة، الشعر، أدب الأطفال، لكنه لم يكتب الرواية التى يرى أنها تحتاج إلى استقرار لم توفّره له انشغالات الحياة في الماضي، فالرواية تتطلب تفرّغا ودأبا على الكتابة فترة طويلة قد تستغرق سنوات، ومع ذلك فقد كتب رواية قصيرة للفتيات والفتيان هذا العام، وربما تكون تجربة مشجعة له على خوض تجارب جديدة في هذا اللون الأدبي الماتع والشاق. في مجال أدب الطفل، كان للجبور عدد من الكتابات القصصية والمسرحية، يقول “كنت طفلا قارئا، وعشت طفولة حرة في قريتي، وأكاد أحفظ طفولتي عن ظهر قلب، أتذكر دهشاتي واكتشافاتي وعلاقاتي وتجاربي الطفولية إلى درجة أنني أشعر أن الطفل الذي كنته ما يزال يوجّهني ويعلّمني ويحميني من غلظة الكبار ومثالبهم. لم أخطط للكتابة للطفل، بل وجدتني مدفوعاً للتعبير عن طفولتي برغبة مشاركة الأطفال برؤاي وتجاربي”. يرى الجبور أن الكتابة للطفل أكثر تعقيدا وحساسية من الكتابة للكبار، فالطفل كائن عبقريّ، لأن عقله لم يكبّل بعد بمفاهيم مجتمعية وأيديولوجية، فهو أشبه بقطعة الإسفنج، قادر على امتصاص ما يقدّم له دون احترازات الكبار، وهو بفطرته قادر أيضاً على الاحتفاظ بالجمال في نفسه، ونبذ ما لا يتلاءم مع براءته وفطرته. يتابع “أرى أن أهم شروط الكتابة للطفل تتعلق باللغة أولا، وبالخيال ثانيا، وبتعزيز القيم الجمالية والإنسانية ثالثا، فاللغة الموجّهة للطفل يجب أن تغربل أولا بحيث تكون دقيقة ورشيقة ومثرية لمعجم الطفل، والخيال الموظف يجب أن يتوفّر على الإقناع الفنّي، فالطفل ليس كائنا ساذجا كما يتصوّر بعض من يكتبون له، كما أن الكتابة للطفل ليست وسيلة تعليمية ولا دروسا وعظية كما يتوهّم بعض الكتّاب، إذ أعتقد أن على العمل الأدبي الخاص بالطفل أن يتجاوز المفاهيم التقليدية عن الطفل وعن الأدب ‘الصالح’ له، إلى مفاهيم جديدة جوهرها قيم الجمال. وهي ليست ميسورة في كل وقت، ولا أستطيع الكتابة له إلا حين أنجح في إيقاظ الطفل الكامن داخلي، حتى أشعر أنّ هذا الطفل هو الذي يكتب معبّرا بقاموسه اللغوي، ومستخدما مخيلته الخاصة، ومعبّرا عن مشاعره هو، لا عن مشاعر شخص ناضج يفرضها عليه”. يعتقد الجبور بأن للكاتب وظيفة حتى وإن لم يقصدها، فالكتابة رسائل للآخرين، تتضمن رؤى الكاتب وتجاربه بطرائق فنية مؤثرة، وهي بهذا تؤثر في المتلقي، وتغيّر من نظرته السابقة، ومن مواقفه تجاه الموضوعات، وتفتح ذهنه على ما كان غائبا عنه، وقد تضعه على طريق جديد لم يكن بمقدوره اكتشافه. يضيف “أكتب حين أنتشي بفكرة، ولا أتعمّد الذهاب إلى الكتابة، فأنا هاوٍ أحببت الكتابة لأنني أحببت قبلها القراءة، وأحسب نفسي على جمهور القراء أولاً، أو أنني أعدّ نفسي قارئاً يحاول الكتابة. فدائما أنتظر المتعة والنشوة التي توفرها لي، فالفنون والآداب والمعرفة بشكل عام أبدع ما فعله الإنسان في مسيرته الشاقة نحو التقدّم والرقيّ”.

مشاركة :