تتعرض شركات الطاقة في بريطانيا، لغضب متصاعد من قبل المستهلكين، وسط احتجاجات على أسعار الخدمات التي تقدمها لهم، وقد دفع الغضب الشعبي وسائل الإعلام إلى شن هجوم ضارٍ على مجالس إدارات تلك الشركات، كما انتقد كبار السياسيين في المعارضة والحكومة على حد سواء وبعبارات لاذعة أداء منتجي وموزعي الكهرباء والغاز في المملكة المتحدة، وبلغ الهجوم ذروته إثر تقدم مؤسسات معنية بشؤون الطاقة في بريطانيا بدعوى قضائية بتجاهل تلك الشركات لشكاوى ملايين المستهلكين. وأصدر القضاء البريطاني حكما على شركة إي دي إف أحد أكبر منتجي وموزعي الطاقة سواء الغاز أو الكهرباء في المملكة المتحدة بغرامة مالية تبلغ ثلاثة ملايين استرليني، عقابا لها على الطريقة السلبية التي تتعامل بها مع شكاوى المستهلكين. ورصدت منظمات المجتمع المدني زيادة تقدر بـ 30 في المائة في معدلات الشكاوى المقدمة ضد الشركة منذ عام 2011، والأكثر خطورة في نظر القضاء البريطاني أن الشركة لم تطور آليات ملائمة لتسلم تلك الشكاوى أو تسجيلها والعمل على حلها. وقالت كاتي تسدال المتحدثة باسم شركة إي دي إف لـ "الاقتصادية"، إنه من الواضح أننا أخفقنا خلال الفترة الماضية في أن نكون عند حسن ظن المستهلكين، ولم نسع لامتلاك وسائل كافية للتعامل مع شكواهم، والآن أصبح التعامل مع هذه الشكاوى أمر حيوي بالنسبة لنا ولكافة الشركات العاملة في مجال إنتاج وتوزيع الطاقة في بريطانيا، وأن ندرك أن مصالح المستهلك تأتي أولا وقبل أي شيء آخر، ولهذا علينا تخصيص جزء أكبر من الموارد للتعامل مع مشاكل المستهلكين. ولن يكون الحكم القضائي حصرا على تلك الشركة بل سيمتد إلى "الأخوات الست" جميعا، وهو الاسم الذي يطلق على أكبر ست شركات منتجة وموزعة للطاقة في بريطانيا، وستخصص هذه الأموال للجهات التي تقدم نصائح للمواطنين بشأن الحصول على أفضل عرض يلبي احتياجاتهم من الغاز والكهرباء بأرخص الأسعار. لكن مشاكل شركات الطاقة البريطانية لا تقف عند حدود عدم التعامل بإيجابية مع شكاوى المستهلكين، فهذا فقط هو الجزء الظاهر من جبل الجليد كما يشير آرثر تايلر من هيئة "إف جيم" المسؤولة عن تنظيم أسواق الكهرباء والغاز في المملكة المتحدة. ويشارك تايلر مع مجموعة أخرى من الهيئة في إعداد تقرير عن تسعير الكهرباء والغاز من قبل شركات الطاقة البريطانية، في ظل اتهامات واسعة النطاق بأن الشركات الست الكبرى تتواطأ مع بعضها البعض في تثبيت الأسعار لرفع معدلات الربحية على حساب المستهلك. وأوضح تايلر لـ "الاقتصادية"، أن موزعي الطاقة في المملكة المتحدة يؤثرون سلبا في ثقة المستهلك بشأن عدالة نظام التسعير للغاز والكهرباء، إذ لا تنعكس التغيرات سواء بالانخفاض أو الارتفاع في أسعار النفط أو الغاز المستورد على قيمة المنتج النهائي المقدم للمستهلكين، مضيفاً أن الشركات الكبرى ملزمة بأن توضح للمستهلكين لماذا لا تنعكس تلك التغيرات على فواتيرهم الشهرية. وأشار إلى أنه لم يعد يخفى أن هناك شكوى عامة في المجتمع البريطاني من الارتفاع المتواصل في فاتورة الطاقة، التي أضحت تلتهم جزءا كبيرا من دخل الأسرة، وفي هذا تتساوى كبرى شركات الطاقة البريطانية. التذمر العام من أسعار الخدمات التي تقدمها شركات الطاقة الكبرى في بريطانيا، دفع بأكثر من مليوني مستهلك إلى إلغاء تعاقداتهم معها، والتوجه الى الشركات الصغيرة لمنتجي وموزعي الطاقة، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تراجع في فاتورة الطاقة الشهرية، حيث تقدر الدراسات أن هذا التحول ربما يؤدي إلى توفير نحو 200 جنيه استرليني سنويا في المتوسط لكل أسرة بريطانية. ويعتقد البعض أن هذا الاتجاه ربما يدفع بشركات الطاقة الست الكبرى، والتي تمد بريطانيا بنحو 95 في المائة من احتياجاتها، لإعادة النظر مرة أخرى في أسعارها، وحتى حدوث ذلك فإن الجهات الرسمية في المملكة المتحدة بدأت في فتح تحقيق رسمي حول أوضاع سوق الطاقة داخليا. ويسعى التحقيق الحكومي إلى معرفة مدى تمتع أسواق الطاقة المحلية بمنافسة حقيقية، وما إذا كانت الشركات الكبرى المسيطرة على السوق تنسق فيما بينها سرا، لتخلق وضعا احتكاريا يتناقض مع قوانين المنافسة الاقتصادية الواجب توافرها، ومن المقرر أن تظهر نتائج التحقيق في كانون الأول (ديسمبر) عام 2015. ويصرح كريستوفر براون أحد الأعضاء الرئيسيين في لجنة التحقيق لـ "الاقتصادية"، قائلا إن لدينا صلاحية لإجبار الشركات الست الكبرى للكشف بشكل مفصل عن الحوافز التي نالها العاملون لديها، فعلينا أن نتذكر أن أغلب تلك الشركات ملكيتها أجنبية، وعلينا أن نعرف بشكل تفصيلي طبيعة تلك الملكية الأجنبية، وإلى أي مدى تستغل الإعفاءات الضريبية أو قانون الازدواج الضريبي بشكل سلبي، وعلينا معرفة لماذا فواتيرهم مرتفعة، فمن غير المنطقي أن تكون أسعار الشركات الكبرى أعلى كثيرا من صغار منتجي وموزعي الطاقة. وتشير تقديرات هيئة "إف جيم" إلى أن شركات الطاقة الست الكبرى ستتمكن من مضاعفة أرباحها خلال العام المقبل بسبب ما تعتبره الهيئة زيادات سعرية متواصلة، وقدرت الهيئة إجمالي الأرباح التي ستتحقق هذا العام بنحو ثلاثة مليارات جنيه استرليني. إلا أن هيئة الطاقة البريطانية التي تمثل منتجي وموزعي الطاقة في المملكة المتحدة، انتقدت تقديرات الهيئة واعتبرتها مبالغ فيها، وأشارت إلى أن عدم دقة هذه التقديرات يؤدي إلى إثارة الرأي العام ضد منتجي وموزعي الطاقة. ويقول كيلي ديفيدسون عضو مجلس إدارة هيئة الطاقة لـ "الاقتصادية"، إنها تقديرات غير دقيقة ومبالغ فيها، ولا تأخذ في الحسبان الضرائب أو معدلات الفائدة، كما أنها تتجاهل تماما الالتزامات والأعباء الملقاة على موزعي ومنتجي الكهرباء والغاز في بريطانيا، فعلينا تطوير شبكات الطاقة، ومد المناطق النائية باحتياجاتها. وأضاف أنه من المعلوم للجميع أن أغلب الشركات الكبرى العاملة في مجال الطاقة في المملكة هي شركات أجنبية وهذا النوع من التضييق عليها، وتحريض الرأي العام قد يؤدي إلى انسحابها من الأسواق البريطانية، أو عدم توسيع نطاق استثماراتها في الأسواق المحلية، وفي كلا الحالتين فالمتضرر هو المستهلك البريطاني.
مشاركة :