التغابي والتغافل .. ميزتان

  • 10/10/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في أوروبا ظهر فيلم قبل سنوات قليلة بعنوان «قواعد اللعبة» ونافسه فيلم آخر وأُدرِجا ضمن أفضل عشرة أفلام على الإطلاق في السينما الفرنسية، وكلا الفيلمين أكدا أهمية التغافل أو التغابي في حياة الأفراد والمجتمعات، وهو فن رفيع لا يجيده ويحسنه إلا العقلاء والأقوياء .تراثنا العربي والإسلامي مليء بأسماء من كبار العلماء ممن اتصفوا بصفة التغافل، وحتى لا يبقى المرء خزاناً للتفاهة مع سيل التفاهة اليومي الذي نواجهه جميعاً وهو متنوع كأخبار الموضة وزواج وطلاق المشاهير أو خصوماتهم أو بعض رسائل الفيديو التي تظهر شهوة الشهرة بأي ثمن أو الأخبار الملفقة وغير ذلك مما يدرج تحت مسمى (اللغوصة) إن جاز هذا التعبير. لعل ممن اشتهر بصفة التغافل هو الأحنف بن قيس وبالتالي فلا غرو أن يطلق عليه (سيد الحلم العربي) ،كما عرف عن الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز هذه السمة الجميلة، وإن كان لا ينبغي أن يفوتنا أن نذكر بأن في السلوك النبوي أيضاً العديد من المواقف التي تؤكد أهمية الأخذ بهذا الأمر لتجنب الشجار والجدل والمشاحنات أو توليد الكراهية لا قدر الله، وعندما سئل الإمام أحمد عن التغافل وهل صحيح بأنه ثلث العقل قال: بل تسعة أعشاره وفي رواية أخرى (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل) ،واعتبر بعض العقلاء التغافل سمة يلزم كل مرء التحلي بها ..كما يؤدى التغافل الى التغاضي لا التركيز على الأخطاء والزلات والهفوات الصغيرة، تكرماً وحلماً وترفعاً عن سفاسف الأمور وصغائرها. وفي الحياة الزوجية العديد من المواقف التي تستوجب التغافل وعدم التدقيق من كلا الزوجين ولهذا قيل: «ما استقصى كريم قط»، فلنتغاضَ ما استطعنا حتى تسير عجلة الحياة سعيدة هنيئة لا تكدرها صغائر، وبهذه المناسبة فإن كثرة العتاب تفرق الأحباب، ولهذا قال الحسن البصري (ما زال التغافل من فعل الكرام) والإمام الشافعي رضي الله عنه قال (الكيّس العاقل هو الفطِن المتغافل) وأمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب له قول مشهور (من لم يتغافل تنغصت عيشته) ،وعلى المسؤولين كلاً في قطاعه أن يعظموا أقدارهم بالتغافل لأنه يطفئ شرراً كثيراً .وفي الإدارة الحديثة دروس عديدة لاستيعاب فن التغافل والذي أسموه أيضاً بالصمم الإداري لما يجلبه على الإنسان من فضيلة وخير، وكما قيل: ليس الغبي بسيد في قومه .. لكن سيد قومه المتغابي.اللهم اجعلنا ممن يقولون القول ويتبعون أحسنه.

مشاركة :