كانت هناك حملة منذ سنوات، صرفت عليها ملايين الدنانير بعنوان: «إلا صلاتي…»! فشاهدنا شبابا وشابات بملابس أنيقة يذكرون بعضهم البعض بان الحداثة لا تعني أن ننسى صلاتنا. وأود أن أتساءل: هل بالإمكان إعادة هذه الحملة بالتذكير بأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ وهل من الممكن إضافة ما يذكر المصلين بأنه سبحانه وتعالى يفضل أن تفوتهم الصلاة وأن يؤدوها متأخرة قليلا، إذا كانت تأديتها بموعدها يسبب الضرر للآخرين؟ وحتى هذا لن يكون كافيا. فالآية الكريمة: «اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ» (45 – العنكبوت). لا تعط ضمانا بأن النهي عن المنكر سيتحقق. وفي هذا المجال يشرح موقع «الإسلام سؤال وجواب» والذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد اجابة عن السؤال: ما المقصود بالنهي عن الفحشاء والمنكر؟ حيث يجيب: «إن الصلاة بمجموعها كالواعظ الناهي عن الفحشاء والمنكر، وان الله لم يقل انها تصد وتحول نحو ذلك مما يقتضي صرف المصلين عن الفحشاء». هذا ولابد من الإشارة هنا الى أن المقصود بالفحشاء هو كل فحش من قول وفعل، والمنكر هو كل مستقبح غير معروف ولا مرض. هذا وموضوع التناقض في السلوك الاخلاقي بين ممارسة العبادات ليس بجديد. فقد لاحظه الصحابة وطرحوا تساؤلات لما رأوه من التزام بالصلاة والصيام من جهة وتدن في السلوك والاخلاق من جهة أخرى. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فُلَانَةَ – يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا – غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنَّ فُلَانَةَ – يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا – وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ. رواه أحمد في «المسند» 2/440 وصححه المنذري في «الترغيب والترهيب» 3/321، والشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» رقم/190. وهناك اكثر من حديث شريف يكون الذي يعيش هذا التناقض بين ورعه من جهة وسلوكه الأخلاقي من جهة اخرى من الرجال. وهذا التناقض بين التدين والرقي في السلوك الاخلاقي يجمع المجتمعات المتخلفة في وعيها ولا يخص دينا واحدا. فعندما اكون في لبنان في طريقي الى بحمدون من بيروت الاحظ انه بعض الأحيان يتعطل المرور لأكثر من عشر دقائق عند كنيسة مار انطونيوس في منحنى او كوع الكحالة بسبب وقوف سيارات بجوار كنيسة مار انطونيوس مغلقة اكثر من ثلث أهم طريق دولي في لبنان لإقامة صلاة أو للاحتفال بزواج. وعندما تصل سيارتي مدخل الكنيسة التفت يمينا لأشاهد المصلين متجمعين حول المدخل مستنشقين ما تنفذه الشاحنات من غازات عوادم السيارات مندمجين في أحاديث وكأنهم في حديقة. لهذا السبب، فإنه لا الأديان السماوية ولا غيرها ولا المجتمعات العلمانية، تعتمد على الوعظ الديني ولا «الوعظ» الاخلاقي لتنظيم امورها. فهناك حدود وقوانين اذا لم يلتزم بها تتدهور المجتمعات. ومدى احترام القانون وانعكاسه على سلوك الفرد هو الذي يحدد رقي الفرد وليس نوع السيارة التي يسوقها او حجم البيت الذي يسكن فيه. وإن كانت لدينا قوانين مرور فإن تطبيقها يكاد يكون مقتصرا على تجاوز السرعة المحددة أو تجاوز اشارة حمراء. وهذه تطبق من خلال الكاميرا وليس من خلال شرطي المرور. فشرطي المرور يخالف لكي لا تفوته الصلاة. ثم إن شرطي المرور غير مهيأ نفسيا لمخالفة مصل، سبب مخالفته حرصه على ألا تفوته الصلاة. فالديني والدنيوي يتصارعان في عقولنا لينتج في النهاية خسارة الاثنين. وهذا موضوع ليس بالبسيط ويحتاج الى بحث من رجال دين وعلماء اجتماع. هذا والاحظ أن سيارات الشرطة دائما متواجدة عند مقهى على شارع سلطان الكليب لمخالفة فتيات وفتيان لدى توقفهم هناك. لكنهم غائبون عند مسجد الميلم حتى وإن تواجدوا. فيبدو أن الشوارع تتمايز في جاذبيتها لرجال الشرطة. هذا وتبقى وزارة الأوقاف، والخطاب الديني عبر خطبة الجمعة شبه غائب عن حث المؤمنين أو المسلمين أو المصلين على احترام القوانين ان كانت مرورية او غيرها. فالوزارة لا تود أن تزعج من يخالف لكي لا تفوته الصلاة. في مثل هذا الوقت من العام الماضي كنت في زيارة لليابان التي أبهرتني للمرة الثالثة برقي اخلاق اهلها. وكان لدي بعض الوقت فزرت بعض معابدها وجامعاتها. وفي احدى جامعاتها استفسرت من مضيفي عن علاقة الياباني بالمعبد ان كان من الشنتو أو بوذيا، فسألته مباشرة: كم مرة بالسنة تذهب الى المعبد؟ فأجاب: مرة واحدة. فتساءلت بيني وبين نفسي: اذاً من ينهى الياباني عن الفحشاء والمنكر؟ بعدها بعثت برسالة مختصرة الى بعض الأصدقاء تضمنت التالي «لقد وجدت في اليابان فائضا في رقي السلوك الاخلاقي والندرة في التدين، بينما نجد في بلادنا فائضا في التدين «الظاهري» ونقصا في السلوك الاخلاقي». د. حامد الحمود Hamed.alajlan@gmail.com hamedalajlan@
مشاركة :