لكي لا تفوتني الصلاة! (1 ـــ 2)

  • 10/11/2017
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

مشكلة المرور معقّدة الأسباب، وحلولها ليست باليسيرة، وإنما تتداخل لحلها قرارات من وزارات وهيئات مختلفة. بمعنى أنها تحتاج إلى إستراتيجية على مستوى الدولة، ومن ثم تطبيق خطط مرحلية، تتطلب أهم ما يتطلب الاستثمار في مشاريع لا تزيد من الطرق ومن مواقف السيارات، وإنما مشاريع تحفز السكان على تغيير سلوكهم في الانتقال من نقطة إلى أخرى في الكويت. وهي أكبر من أن تناقش في مقال واحد، أو حتى بحث واحد. لكن مع هذا، سأتطرّق إلى جزئية بسيطة من هذا التغيير السلوكي المطلوب إحداثه. ذلك هو عدم مراعاة كثير من المصلين لقوانين المرور عند إيقاف سياراتهم عند المساجد وحولها لتأدية الصلاة. وحتى هذا فلن يشمل مثلاً اضطرار المصلين للمخالفة لعدم توافر مواقف، وإنما أتحدث عن مخالفة المصلين لقوانين المرور على الرغم من توافر مواقف بحجة عدم التأخر عن الصلاة. وملاحظتي هي على ما أشاهده يومياً من مخالفات تعيق الحركة وتهدد السلامة حول مسجد الميلم في العديلية، الذي شُيّد بتبرّع كريم من المرحوم محمد عبدالعزيز الميلم عام 1968. يقع المسجد في قطعة 2، ومبني على قطعة أرض تبلغ مساحتها حوالي 2500 متر. ويبدو أن المصمم والبلدية وعائلة الميلم الكريمة كانوا واعين للمساحة الحرجة التي أقيم عليها المسجد، فتم إلحاق مساحة اضافية به لتكون موقفاً للسيارات يسع لأكثر من مئتي سيارة. لذا، فإنه إذا شملنا موقف السيارات فسيكون موقعه على شكل مستطيل يبلغ عرضه 50 متراً وطوله 200 متر تقريباً. ضلعاه الطويلان يقعان على شارع الرياض وشارع عبدالله النوري، وعرضاه أو ضلعاه الصغيران يقعان على شارع الهاجري من جهة الشمال، أمّا العرض الجنوبي فيقع بالقرب من جسر للمشاة يربط مباني جامعة الكويت في الخالدية بقطعة 2 في العديلية. ويكمن الخطر الأساسي في أن السيارات تدخل مندفعة بسرعة عالية من شارع الرياض إلى شارع الهاجري لتفاجأ بعد انعطافها إلى اليمين بسيارات واقفة لمصلين، كثير منهم يوقف سيارته مسيطراً على عقله وعواطفه هاجس ألا تفوته إقامة الصلاة، متناسياً سلامة الآخرين، بمن فيهم المصلون الآخرون. هذا، ومع توفير مواقف تسع لما يزيد على 250 سيارة، فإن كثيراً من المصلين يوقفون مركباتهم في أماكن ليس ممنوعاً الوقوف فيها فحسب، وإنما في أماكن يشكل الوقوف فيها خطراً على المارة والمركبات الأخرى، ومسبباً حوادث شاهدت أحدها منذ سنة. وفي الأيام القليلة الماضية مررت بتجربتين أظهرتا فشلي في إقناع المصلين بإيقاف سيارتهم في المواقف المتوافرة بدل رمي سياراتهم الفارهة في أماكن تعيق المرور وتهدد سلامة الناس، وتعرّض سياراتهم للتلف. الحادثة الأولى كانت يوم الجمعة 29 سبتمبر، عندما وجدت نفسي لا أستطيع أن أوقف سيارتي في مواقف المسجد إلا بصعوبة لتوقف سيارة في مكان ملاصق لمدخل المسجد ومخرجه. وبعد الصلاة، تمكّنت من التحدث مع مالك السيارة الذي كان متوجهاً ماشياً لسيارته، والذي أبدى الحجة بأنه يعاني من إعاقة ولا توجد مواقف للمعاقين، هذا مع أنه كان يقود سيارته بنفسه. والذي لم يقتنع برأيي بأنه حتى لو كان لديه إعاقة، فلا يحق له أن يوقف سيارته في هذا الموقف المؤذي منظره والمعيق لحركة المرور. أما الحادثة الثانية، فكانت يوم الاثنين 2 أكتوبر، وكنت في طريقي بالسيارة متوجهاً إلى شارع الهاجري من شارع النوري، فشاهدت سيارة متوقفة على بعد أكثر من متر من الرصيف مغلقة حوالي ثلث مخرج شارع عبدالله النوري إلى شارع الهاجري. فأوقفت سيارتي وخرجت متوجهاً لهذه السيارة، عسى أن أقابل مالكها. فشاهدت رجلاً متوجهاً نحوها، فسألته: هل هذه السيارة لك؟ فأجاب: «جان زين هذه السيارة لي.. لو عندي مثل هالسيارة أوقفها هني»! وعندما سألته عن رأيه بهذه المخالفة، أجاب: «هي راجعة لهذا.. هناك أكبر بكثير من ذلك». وفي اللحظة التي أنهينا كلامنا، كان هناك شاب نحيف يتوجه إلى هذه السيارة. بادرته بالتحية، فرد التحية بلطف. أخبرته بأنه يعيق المرور، وأنه لا يصح أن يوقف سيارته بهذه الطريقة. فأجاب: «كنت على عجلة لكي لا تفوتني الصلاة»! وعندما أضفت: «أما يؤنبك ضميرك أثناء صلاتك بأنك تعيق الطريق؟». عندها تغيّرت ملامحه ودافع عن نفسه أنه غلطان، لكنه لا يعيق الطريق ثم توجه لسيارته، متحدثاً لنفسه بكلمات لحسن الحظ اني لم أسمعها. وفعلاً فقد أغلق جزءاً من مخرج شارع عبدالله النوري إلى شارع الهاجري. فحسب فهمه أن الإعاقة تكون بأن يغلق الشارع كاملاً. وفي الحقيقة أن سيارة كبيرة جدا مثل سيارة المطافي كان يمكن أن تجد صعوبة في المرور. يبدو أن هناك مشكلة في فهم إعاقة الطريق في منطقتنا. فقانون المرور ليس بتلك الأهمية. فكل فرد يحدد لنفسه قانون مرور خاصا به. فحتى سيارة الشرطة تقف أحياناً في المنحنى الذي يربط شارع الهاجري بشارع عبد الله النوري، لأن الشرطة كذلك حريصون على ألا تفوتهم الصلاة. وعندما أتحدث إلى الناس، أجد أن أغلبهم يتفق معي بأنه في منطقتنا العربية يعاني الرابط بين التدين ورقي السلوك الأخلاقي من الضعف. والموضوع لا يتعلق بالمصلين فقط، فعلى مسافة قريبة من مسجد الميلم، يقع جسر المشاة الذي يربط جامعة الكويت بالعديلية، والذي يستفيد منه كثير من طلاب كلية الهندسة وطالباتها، حيث يوقفون سياراتهم عابرين الجسر مشياً على الأقدام إلى الجامعة. وقد وصلت الأمور إلى أن هؤلاء الطلاب والطالبات قد قرروا بأنفسهم إلغاء ممشى العديلية وتحويله إلى شارع خاص بهم. كان هناك بين الطلاب والطالبات، الذي يبدو على مظهرهم التدين، تسابق لإيقاف سياراتهم ملاصقة للجسر لقصر المسافة التي عليهم مشيها الى الجسر. كانوا يقودون سيارتهم بسرعة على طريق عبّدته «الأشغال»، مشكورة، لممارسة رياضة المشي. ووزارة الأشغال مشكورة مرة أخرى، لأنها أنهت هذا العبث بحقوق المشاة، فوضعت عوارض حديدية تمنع دخول سيارات الطلاب والطالبات إلى هذا الممشى. د. حامد الحمودHamed.alajlan@gmail.comhamedalajlan@

مشاركة :