أرملة في قفص التقاليد والأعراف بقلم: رابعة الختام

  • 10/16/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هل من حق المرأة التي أتمت رسالتها مع أبنائها ومات زوجها أن تبدأ حياة جديدة؟ هل من حقها أن تعيش حبا جديدا؟العرب رابعة الختام [نُشر في 2017/10/16، العدد: 10783، ص(21)] صديقة أختي الكبرى "شاعرة" تعشق القلم، تعزف بالكلمات ألحانا عذبة، لها دواوين شعرية باهظة الثمن، دفعت ثمنها خلافات زوجية متكررة، أثناء الكتابة وبعدها وفي جميع مراحل الطبع، عانت الكثير مع زوج تعجنه الغلظة ويمارس تعنته على أقرب الناس إليه، ضمن أسرته، أبنائه، وزوجته، يعذبها بحبها له، ويعذبها بحبها للشعر الذي تتنفس به، يرى موهبتها ترفا، وتفضلا منه يمنحها بعض الوقت لممارسة ترفها الذي يكرهه، عانت المرأة كثيرا طيلة مسيرة حياة زوجية لم تجن منها غير الجراح كما يحلو لها أن تصف حياتها، لكنها حفاظا على الأبناء ظلت تلوذ بصمتها في جميع خلافاتها. مات الرجل، وانفضت الحياة وتغيرت معالمها، أصبحت تدور في فلك القيود الاجتماعية ولا تستطيع الفكاك منها، هكذا حالها بعد أن أصبحت أرملة، وكذلك حال الأرامل في بلادي، أي واحدة، سواء كانت ثرية، فقيرة، حسناء، أم مقبولة، مثقفة، أمية، امرأة عاملة، ربة منزل، لا فرق كلهن أمام التقاليد سواء. الطامة الكبرى إذا رغبت أو فكرت في بداية حياة جديدة، سواء كانت في كنف رجل آخر، أم فضلت البقاء إلى جانب أبنائها، فهي في مرمى الانتقادات دائما، يلقي المجتمع باللائمة على المرأة العزباء وكأن كل أفعالها تخضع للاتهام، وتحتاج لوصاية مجتمع جائر يوبخها بأعرافه وتقاليده، ويقيدها في كل الأحوال لتجد نفسها “تحت المجهر” المجتمعي طوال الوقت لفحص تصرفاتها. وتزداد وتيرة الانتقادات حدة وصعوبة إذا ما كانت في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات، إذ يفرض عليها الفكر المجتمعي الداسّ أنفه في كافة التفاصيل وحدة وانعزالية لمجرد كونها تغرد خارج السرب، ولا تتقيد بأعراف مجتمعية وضعت وفق معايير لقيطة، ورغبات مجهولة المصدر. ظلت الشاعرة التي تحتفظ ملامحها ببعض من جمال، وجسدها يحفظ نداوته وأنوثته، تعاني الوحدة خاصة بعد زواج إبنيها، ففي فائض وقتيهما يأتيان، يأتي الشاب الذي أصبح أبا لزيارة أمه مصطحبا طفلته على عجل بحجة انشغاله الدائم، وتأتي ابنتها بالطعام كما لو كانت تقتني قطة تحضر لها طعاما ساخنا وكفى! كسرت جميع القيود وفاجأت الجميع بزواجها من رجل يكبرها بثلاث سنوات، لم تشأ أن تواجه، فقررت الهروب من أمام وجوه الجميع، حتى لا تبقى وحيدة داخل بيتها أو خارجه، نصف روحها يعيش في أبنائها، وولائها لأمومة هي رسالة سامية لها متطلبات كثيرة، ونصف روحها الآخر يعيش في حب قديم اِلتقطه صدفة وأرادا أن يفرملا عجلة الزمن المسرعة لعلهما يحققان ما فاتهما ويسترجعان كل وله الماضي وشغفه. فاجأت الجميع، وذات صباح دق جرس الهاتف المنزلي حتى قطعت أنفاسه، حارت الابنة وذهبت لبيت أمها علها تنقذها من مكروه ما! وجدت على طاولة الطعام ورقة بيضاء مطوية ومفتاحا يلمع، كتبت الأم على الورقة كلمات بسيطة محددة وواثقة: سأتزوج حتى لا أبقى وحيدة، هذا مفتاح بيتكما القديم، سأبحث عن مفتاح جديد وحياة جديدة، استمتعا بحياتكما وأبنائكم ولا تبحثا عني لتلميع صورتكما أمام الأهل والجيران، سأستمتع بما بقي لي من عمر، سأعيش. اِجتمع الابن والابنة، وتبادلا الاتهامات في تركها للوحدة وفي انشغالهما عنها تارة وفي أنانية كل منهما تارة أخرى وأن ما فعلته سينال من صورتهما ووضعيهما الاجتماعيين، واستنكرا تصرف الأم واعتبراه فعلا غير مسؤول. بدأت رحلة البحث في تكتم شديد على اختفائها، وبعد فترة وجداها بمعية جارها القديم في أحد المحلات التجارية وسعادة نادرة تزين وجهها بابتسامة جميلة، تألقت أكثر في ظل رجل يحبها دون أن تخطئ في حق أحد، مارست فعل الحياة وكفى بالحب وكيلا. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل من حق المرأة التي أتمت رسالتها مع أبنائها ومات زوجها أن تبدأ حياة جديدة؟ هل من حقها أن تعيش حبا جديدا؟ أم أن عليها البقاء داخل عزلتها حتى لا تزعج الأعراف والتقاليد؟ إن كنا نعترف لها بالآدمية والحق في الحياة أمن حقنا أن ننكر عليها الحياة، وأن نكتب عليها “انتهت فترة الصلاحية”؟ أسئلة شاركوني الإجابة عنها. كاتبة مصريةرابعة الختام

مشاركة :