تعويم الأمور وعدم خروج جهات لها صفة الرسمية تحدد الفارق بين ما هو مؤذ لمشاعر النساء وبين الكلمات العادية يجعل الجميع متحرشا أو متحرشا به بلا جدال، لا يستثنى أحدا.العرب رابعة الختام [نُشر في 2017/11/06، العدد: 10804، ص(21)] قرأت تعريفا باهتا، مائعا لإحدى مؤسسات المجتمع المدني عن التحرش. “كل كلمة تصدر عن الطرف الآخر (وهو بالطبع الرجل) تصف مفاتن ومحاسن الأنثى” هو تحرش، كإحدى الصور والمفردات، وذلك بعد “الهوجة” الشرسة التي أحدثتها فضائح المخرج والمنتج الهوليودي هارفي واينشتاين والتي ردت الممثلة الهوليوودية إليسا ميلانو عليها بهاشتاغ “Me Too” أو “أنا أيضا”، وما تبعه من أحداث واعترافات طالت غالبية نساء العرب والغرب، كلا منهن فضفضت بمكنونها النفسي والذي ظل يقض مضاجع الكثير من النساء ويذكرهن بحوادث التحرش الأليمة التي منعت بعضهن الزواج ومنعت أخريات الحياة فأقبلن على الانتحار عوضا عن فضح الجاني والإبلاغ عنه في مجتمعات شديدة الإنغلاق تعاني فيها النساء تضييقا على الحريات أو تلك المنفتحة التي لا يعفي انفتاحها نساءها عبء إيلام حادثة تحرش بعيدة، وأياد عابثة طالت في الصبا مفاتن أنثى رغما عنها. لا أنكر أن التحرش واقعة أليمة تترك أثارا نفسية شديدة القسوة على الضحية، ولكن ما ذكرته المنظمة الحقوقية مزعجا للغاية إذ يجعل المجاملات البسيطة بين الأهل والأقارب، والجيران، وزملاء العمل، وحتى لقاء أصدقاء الطفولة بعد بعاد سنوات وتبادل الكلمات الرقيقة أو الأوقات الرائقة واستعادة الذكريات تحرشا! يفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب لأن يدلو بدلوه في ملابسات غريبة، ربما لم تزعج من خلعوا عليها لقب ضحية من الأساس، امرأة ربما جاملها أحد الأقارب يوما ما، وردت على مجاملته بابتسامة وانتهى الأمر. لكن أن نفتح أقواسا بلا داعي لندوّن بينها العديد من صور وأشكال يراها البعض مجاملات تفرضها بعض المواقف، فهذا تعنّت مقيت، يدعو الجميع إلى الحذر والحيطة في التعامل مع الآخر، أيا من كان هذا الآخر. وتجعل المعاملات الإنسانية أكثر شدة وغلظة بين البشر وبعضهم البعض، الفارق بين التحرش اللفظي بكلمات جنسية صريحة أو ذات مداليل جنسية وبين الكلمات العابرة غير المؤذية ولها مذاق المجاملة أو روح الدعابة، فارق كبير وجوهري لا يمكن إغفاله مطلقا. تعويم الأمور وعدم خروج جهات لها صفة الرسمية تحدد الفارق بين ما هو مؤذ لمشاعر النساء وبين الكلمات العادية يجعل الجميع متحرشا أو متحرشا به بلا جدال، لا يستثنى أحدا، الكل متحرش، وكلنا في الهم نساء. وهذا بالطبع خطأ إنساني يقودنا لكارثة ترفع حالة الحذر لدى الجميع، ترك الأمور على عواهنها لبعض المنظمات تطلق تعريفات واسعة ومطاطة قد يؤذي الفتاة أو المرأة المتحرش بها نفسها ويهدر حقها في اللجوء للقضاء لصعوبة إثبات بعض الأشكال التي من ضمنها الكلمات العابرة، والتنبيه لهذا الأمر لا يقل أهمية عن خطورة التحرش ذاته. من المتفق عليه أن للتحرش ستة أشكال منها ما هو أشد وطأة على نفسية المرأة بوجه عام من الكلام، فحكايات كثير من النساء اللاتي عانين الآلام ووجع لمس أجسادهن سواء في الطفولة وظلت الحكايا الشائنة في كهوف مظلمة تتوراى عن قصد عن أعين الجميع، أو كشف عوراتهن، مواقف تحمل الكثير من الخجل والكثير من الدموع والوجع. أعرف فتاة جامعية تعرضت لحادثة موجعة تركتها في أمس الحاجة لإعادة تأهيل نفسي واجتماعي لاستعادة ثقتها في التعامل مع من حولها من جديد بعد قيام زميل دراسة غير سوي بالإمساك بأحد مفاتنها، مما عرضها لصدمة عصبية ونفسية حادة أفقدتها القدرة على مواصلة الحياة بشكل متزن إلا بعد عام كامل ظلت خلاله حبيسة جدران منزلها حتى فقدت سنة دراسية كاملة، وحدها دفعت فاتورة تصرّف أخرق، غير مسؤول. أطالب المجتمعات العربية بضرورة مؤازرة ضحايا التحرش والعنف الجنسي، مؤازرة حقيقية والنظر إليهن كضحايا ولسن مجرمات يجب عقابهن، كفكفة دموعهن عوضا عن إلقاء جبال اللوم عليهن، وتسليط الضوء أكثر على قضايا نسائية نغض الطرف عنها عامدين، وكف فكاك مفتوحة لتلويك سير لا ذنب لها. كاتبة مصريةرابعة الختام
مشاركة :