تؤكّد التجارب أنّ الكاتب المجدّ يبلور سبيل صنعته بأسلوبه المتفرّد، وشخصيّته المستقلّة، بعيدا عن التقليد والاتّباع.العرب هيثم حسين [نُشر في 2017/10/16، العدد: 10783، ص(15)] هل بالإمكان صناعة كاتب ما وفق مواصفات بعينها؟ هل تستطيع أيّ ورشة صناعة أديب يجيد الصنعة؟ إلى أيّ حدّ تساهم يمكن أن تساهم ورش الكتابة الإبداعيّة في وضع المشاركين فيها على عتبة باب الأدب؟ هل الأدب علم أم مهارة أم موهبة؟ يشير الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس في كتابه “صنعة الشعر” إلى أنّه لا وجود لأي كشف يمكن أن يقدّمه لجمهوره ومتابعيه، وأنه أمضى حياته وهو يقرأ ويحلل ويكتب، أو يحاول أن يكتب، ويستمتع. وأنه قد اكتشف أن الاستمتاع هو الأهمّ، وأنّه متشرّباً بالشعر توصّل إلى نتيجة نهائية حول المسألة. كما يشير إلى أنه في كل مرّة واجه فيها الصفحة البيضاء عرف أنّ عليه أن يعود من جديد إلى اكتشاف الأدب بنفسه. يقول “لي من العمر حوالي سبعين سنة. وقد كرّست الشطر الأكبر من حياتي للأدب، وليس في استطاعتي أن أقدّم إليكم مع ذلك سوى شكوك”. وقد تكون القراءة بحدّ ذاتها صنعة كالشعر والكتابة، ويمكن هنا التذكير برأي للأرجنتيني ألبرتو مانغويل في كتابه “الفضول”، يذكر فيه أنّ فن القراءة يتعارض مع فن الكتابة في نواح عدة، فالقراءة صنعة تثري تصوّر المؤلف للنص، فتعمّقها وتمنحها تأويلات أكثر جدلاً. كما أنها تزيد قدرتها على تكثيف تجربة القارئ الذاتية وتوسيعها لبلوغ الحدود القصوى، ولتجاوزرها ربما. ويشير إلى أنّه على النقيض من ذلك، “إنّ الكتابة تبدو كفنّ الاستقالة، إذ على الكاتب قبول حقيقة أنّ النصّ النهائي لن يكون سوى انعكاس صاف للعمل كما يتصوره ذهن القارئ، وأنه سيبدو أقل تنويراً وفطنة مما يفترض، وأقل دقة وتأثيرا”. يلفت مانغويل كذلك إلى أنّ مخيّلة الكاتب تتمع بكامل القوة والكفاءة لتحلم بأكثر الإبداعات استثنائية وكمالاً، لكن بعد ذلك يبدأ الانحدار إلى اللغة، ليتبدد الكثير الكثير في برزخ الانتقال من التفكير إلى التعبير، ولا تكاد توجد استثناءات طفيفة لهذه القاعدة، فأن تؤلف كتابا يعني أن تسلّم نفسك للفشل، لكن هذا الفشل قد يكون فشلا مشرفاً. هل محاولة الكاتب التعبير عمّا يعترك في فكره ووجدانه تظلّ دائرة في فلك البحث عن آليات واستراتيجيات الارتقاء إلى الصنعة وتحسينها دوما للخروج بأفضل النتائج المأمولة، أم أنّ الاستمتاع، بحسب تعبير بورخيس، يكفل ببلورة صيغة نصّ متجاوز قوامه الشغف الكاشف للغز صغير والمستبطن لألغاز جديدة ربّما. تؤكّد التجارب أنّ الكاتب المجدّ يبلور سبيل صنعته بأسلوبه المتفرّد، وشخصيّته المستقلّة، بعيدا عن التقليد والاتّباع. الإبداع يشقّ طريقه ويدفع صاحبه إلى الصدارة برغم ما قد يواجهه من مشقّات على درب تحقيقه ذاته وتكوينه اسمه اللائق به في عالم الأدب والصنعة. كاتب سوريهيثم حسين
مشاركة :