جينفر هيوز * يبقى هناك سؤال مهم حول ما إذا كان سيل الدولارات الآسيوي هذا ناتج عن طفرة عابرة نتجت عن برامج التيسير الكمي أم أنه نهج ثابت يحمل في طياته مؤشرات تحول دائم وقابل للاستمرار. وما يحمل على الاعتقاد بأنها لحظة تحول حاسمة هو مزيج المستثمرين المحلي إضافة إلى أعدادهم الكبيرة.عند الحديث في أسواق المال العالمية عن إنشاء سوق «اليورودولار» تقرأ دهشة السامعين في وجوههم وكأنك تتحدث عن مستحاثة مالية. تلك الأسواق باتت على درجة كبيرة من التطور أنستها مثل هذه المصطلحات التي تعود لأعوام الستينات من القرن الماضي.لكن من دواعي التذكير بمثل هذه المسميات ما يجري في الأسواق الآسيوية التي توشك على أن تنشئ سوقاً موازياً «لليورودولار» يمكن تسميته «آسيادولار». فقد حلقت مبيعات سندات الدولار في دول آسيا المطلة على المحيط الهادي لمستويات خيالية هذا العام حيث تجاوزت قيمة الإصدارات حتى الآن 360 مليار دولار حسب بيانات شركة «ديلوج»، وهو رقم يتجاوز كامل إصدارات عام 2016، وهو العام الذي اعتبرت فيه إصدارات الأسواق الناشئة من أوراق الدين الدولارية مصدر سعادة المستثمرين. الأهم من ذلك أن غالبية مصدري السندات لم يجدوا أنفسهم مضطرين لتسويقها داخل الولايات المتحدة ذاتها، وبدلاً من السعي للحصول على الموافقات الخاصة بتسويق تلك السندات لمستثمرين أمريكيين، وهو ما يعرف باسم الموافقة «144A»، يشعر الكثير من هؤلاء بالسعادة لكثرة مشتري سنداتهم ضمن دول المنطقة.ومع وجود نظام تداول عابر للحدود بات راسخاً في التكوين النفسي لفعاليات أسواق المال، فإن ما يؤول إليه «آسيادولار» يبقى محدوداً مقارنة مع حجم سوق «اليورودولار». لكن خلق بيئة استثمارات دولارية ضمن حدود المنطقة يعني تطوير سوق دولارات عابر للحدود بين دولها، ما يعني تحولاً في قوة الاستثمارات من الولايات المتحدة نحو المشرق.ويبقى هناك سؤال مهم حول ما إذا كان سيل الدولارات الآسيوي هذا ناتج عن طفرة عابرة نتجت عن برامج التيسير الكمي أم أنه نهج ثابت يحمل في طياته مؤشرات تحول دائم وقابل للاستمرار. وما يحمل على الاعتقاد بأنها لحظة تحول حاسمة هو مزيج المستثمرين المحلي إضافة إلى أعدادهم الكبيرة.على رأس هؤلاء تأتي شركات التأمين والتقاعدية اليابانية التي تمثل القاعدة الأعرض في شراء سندات الآسيادولار في إطار سعيها لتنويع أصولها بعيداً عن الين الياباني. وقد تبعهم مؤخراً نظراؤهم في كوريا الجنوبية وتايوان مدفوعين بنفس الحافز الذي هو البحث عن عوائد أعلى على حد قول مديري صناديق إدارة الأصول.لكن هناك علامة استفهام خاصة حول سلوك المستثمرين الصينيين. فهؤلاء شكلوا أهم محركات طفرة شراء السندات الدولارية الآسيوية خلال العامين الماضيين خاصة صناديق إدارة الأصول والشركات التي تكدس كميات كبيرة من النقد على ميزانها الختامي.ويقول مانجيش فيرما رئيس قسم العمليات الائتمانية الآسيوية في مجموعة سيتي غروب: «السؤال يتعلق بعمليات تزيد على تريليون دولار. والمصلحة الصينية تدور حول رهانات يحددها مسار الرينمنبي ومسار حركة السندات الدولارية خارج البلاد. وفي حال كانت ظروف سوق السندات إيجابية فمن المؤكد أن ثلث تلك الأموال سوف ترتد إلى داخل الصين خلال السنوات الثلاث المقبلة».وقد اعتمدت حيازة الصينيين للدولار تاريخياً على مدى توفر السيولة منه في الأسواق. وبعد أن قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي خفض ميزانه الختامي بدءاً من هذا العام فلا شك في أن كتلة الدولار المتداولة في أسواق العالم سوف تبدأ في التقلص، كما أن قراره برفع أسعار الفائدة سوف يرفع تكاليف الحصول على الدولار أيضاً، وهذا يشكل تهديداً لسوق سندات الدولار الآسيوي.لكن تأثير تحرك المجلس سيكون تدريجياً ويفترض أن يتم دون إحداث هزات في أسواق العالم. أما إذا سارت الرياح بعكس ما تشتهيه سفن المجلس فسوف تضطر البنوك المركزية الرئيسية في العالم لإعادة النظر في تخفيف برامج التيسير الكمي وهنا ندخل في دوامة لا يعرف منتهاها.وفي إطار هذا التصور الزمني من السابق لأوانه القول إننا نشهد ولادة سوق «آسيادولار» أو إنها مجرد طفرة عابرة سوف يختفي محركوها من المستثمرين لمجرد أن تتقلص كمية المعروض من الدولار. وفي المدى المنظور تطلق تكاليف الاقتراض المنخفضة وسيل الإصدارات صافرة إنذار تحذر من أن هذه الزوبعة لن تدوم إلى الأبد. محللة مختصة في فاينانشال تايمز
مشاركة :