الدخول إلى بوابة المستقبل

  • 10/17/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تركة التعليم ثقيلة، وربما الأصعب والأكثر تعقيداً من مشكلات أي قطاع آخر. مع هذا، طريق الحل ليس مسدوداً ولا مستحيلاً، كل ما يلزم هو توفر الإرادة والعزيمة وطول البال.داخل أروقة وزارة التعليم ما يشير إلى حجم القضايا التي تحتاج لمعالجة.. كل إدارة تتخللها إدارات، وكل إدارة تتوالد إلى أخرى أصغر منها، وبالمحصلة كل إدارة تهتم بجانب صعب في تنظيمه والتخطيط له وبالتالي محاولة إنجاحه والظهور بمخرجات مُرضية.أخفقت كثير من المحاولات في سبيل الظهور بنتائج يلمسها المواطن العادي من خلال تغير مستوى أداء أبنائه الدراسي ومستوى سلوكه الاجتماعي وتطور أفكاره وارتفاع ثقافته، ودائماً ما كان السبب يوعز للتعليم ومؤسسته المهترئة. ومع الدعم الهائل الذي تقدمه الحكومة للتعليم (25 في المائة من ميزانية الدولة) ومنها برنامج الملك عبد الله لتطوير التعليم العام، ذو العشرة مليارات ريال ميزانية، مرت سنوات طويلة دون أن نلمس تغيراً ملحوظا يحسن السمعة المتواضعة للتعليم في أذهان الناس.الذي تغير اليوم أن الدولة بكل مؤسساتها تتطور في ظل رؤية 2030. ولا خيار لأي مؤسسة أن تظل بمعضلاتها وعيوبها وإلا تخلفت عن ركب التطور وتعرضت للمحاسبة. هذه إحدى أهم مميزات الرؤية، أنها دفعت بجميع المسؤولين لتطوير مؤسساتهم والقفز على المعوقات من خلال ابتكار الحلول لمشكلاتها واستيراد الخبراء والمستشارين وشركات التصنيف والتقييم.بالأمس تحقق أول حلم راودنا في الأعوام الخمسة الماضية، بتدشين المدرسة الحكومية النموذجية التي تتمنى كل أسرة أن ينضم أبناؤها إليها. الحلم جاء تحت عنوان مبادرة «بوابة المستقبل» وفي المسمى إشارة على عزم القائمين على التعليم الدخول عبر هذه البوابة لمزيد من التطوير والنجاحات. المشروع نقطة انطلاق في بحر التعليم الرقمي التفاعلي، وما شاهدته شخصياً بحضوري لافتتاح المشروع وحماس القائمين عليه أنه ينبئ بتحول كبير في البيئة المدرسية والتعامل مع الطالب الذي قد يتفوق أحياناً في استخدامه للتقنية على المعلم الذي يقدم له هذه التكنولوجيا الرائدة، بحكم انتشار وسائل التقنية وتوسع استخدامها بين فئة الشباب وحتى الأطفال. ومن جميل الفرصة، أن المدعوين لحفل الافتتاح أتيح لهم الدخول للفصول الدراسية أثناء تقديم دروس يومية باستخدام التقنية، وشاهدنا طلبة يتفاعلون مع هذه التقنية بأسلوب حديث غير مسبوق.المشروع واعد، يتضمن في مرحلته الأولية 150 مدرسة موزعة بالتساوي ما بين مدن: الرياض والخبر وجدة، وبالتساوي أيضاً بين مدارس الأولاد والبنات الحكومية، وفي المرحلة الثانية العام القادم سيرتفع العدد إلى 1500 مدرسة، حتى تشمل كل مدارس المملكة بحلول عام 2020. المشروع مكلف لكنه يستحق، لأنه يغير من ثقافة وسيلة التعليم التقليدية إلى تعليم تفاعلي يتواصل فيه المعلمين مع الطلبة ومع أسرهم، مما يجعل الجميع شريكاً في صناع ثقافة تعليم جديدة، أي أنه ليس وسيلة للتعليم فقط بل أيضاً للتعلم وتطوير المهارات خارج أسوار المدرسة، وفيه تستثمر قدرات الشباب التقنية في حقول العلم المختلفة. حتى تسجيل دخول الطلبة للمدرسة منذ دخولهم من بوابة المدرسة حتى خروجهم منها يتم من خلال بطاقة التعريف التي يحملها، وبالتالي يساعد ذلك إدارة المدرسة في حصر المتغيبين، ويسهل على وزارة التعليم حصد بيانات الحضور والغياب تلقائيا.الأمر الوحيد المقلق بالنسبة لي، رغم الوعود والتمنيات، هو تأكيد حصول كل مدارس المملكة على فرصة التغيير الذهبية هذه، خاصة في المناطق النائية والمدن البعيدة والمناطق ذات مستوى التنمية الأقل، لأن تدريب المعلمين والمعلمات على تطبيق التقنية وتعليمها الطلبة يحتاج لدعم مالي وزمن كافٍ. أنا متأكدة أن الوزارة وضعت في اعتبارها هذا الأمر، لكني أتمنى بالفعل أن نطمئن على حصول ذلك في القريب العاجل كجزء من خطة توسيع المشروع.وما لا يجب تجاهل ذكره، أني سبق أن حضرت فصلاً دراسياً في مدرسة خارج مدينة الرياض قبل نحو سبعة أعوام، وخرجت بانطباع سيئ عن بيئة المدرسة وطريقة تعامل المدرسات مع الطالبات، حتى هُيئ لي أنني في سجن أو إصلاحية، وكان يوماً كئيباً يدعو للتشاؤم حول مستقبل التعليم وتأثيره على الحالة النفسية للطالبات والرغبة في التعليم أو حب مواصلته. لكني لمست اليوم تغيراً ملحوظاً على المستوى العلمي والإنساني وهذا يعكس أيضاً مجهوداً قد لا يكون محسوساً بالنسبة للقريبين من دائرة المدرسة.ربما يرى البعض أن هذه مجرد مبادرة (رؤية المستقبل) والتحول للتعليم الرقمي غير كافٍ ما لم تتحسن المناهج أكثر ويتطور مستوى المعلم والمعلمة، وتحسين مستوى المرافق والتغذية والأبنية، ومحتوى المختبرات العلمية، وهذا صحيح، لكن تدشين المبادرة اليوم خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح تستحق الإشادة والإعجاب، ودلالة على أن وزارة التعليم بدأت في حصد ما عملت عليه طويلاً بعيداً عن أعين الناس حتى أصبح واقعاً معيشاً ماثلاً أمامهم.

مشاركة :