حوار الأجيال في مؤتمر شعر العامية بمصرشعر العامية ليس أقل درجة من الشعر الفصيح، بل يجاوزه أحيانا في قدرته على التأثير ودرجة صدقه وشاعريته الرقيقة التي تمس مختلف القلوب. وبمجهودات خاصة انعقد “مؤتمر شعر العامية الثالث” في القاهرة، مقدما مزيجا شعريا ونقديا قلما نلامسه، مازجا جيل الرواد باللاحقين من الشباب في مشهد شعري متكامل.العرب شريف الشافعي [نُشر في 2017/10/18، العدد: 10785، ص(15)]قصائد فؤاد نجم تشكل واحدة من أنضج تجارب الفن الثوري الحيوي القاهرة - أكثر من هدف سعى إلى تحقيقه مؤتمر شعر العامية الثالث، الذي نظمه واستضافه أتيليه القاهرة على مدار ثلاثة أيام من 14 إلى 16 أكتوبر الجاري، إذ رفع شعار “الشعر للجميع”، متسعا لإبداعات العشرات من الشعراء من أجيال مختلفة، ومحتفيا بالرواد والرموز بتكريمهم وإعادة اكتشافهم نقديّا. في محبة الشعر حمل مؤتمر العامية المصرية في دورته الثالثة أسماء ثلاثة شعراء راحلين من رواد العامية المصرية، هم: نجيب سرور وأحمد فؤاد نجم وسيد حجاب، وحظي كل شاعر منهم باحتفاء خاص في يوم يحمل اسمه وجلسة نقدية ممتدة لقراءة أعماله وإعادة اكتشاف عوالمه الفنية. وكرّم المؤتمر كذلك ثلاثة من رموز العامية الأحياء، هم: سمير عبدالباقي، فؤاد حجاج وناجي شعيب، وخصص لكل واحد منهم جلسة بعنوان “شاعر وتجربة”، استعرض خلالها مشوارهم الفني ورحلتهم المضنية مع الكتابة على مدار سنوات ممتدة. وفتحت أمسيات المؤتمر الشعرية ذراعيها للشباب، ولم تغفل كذلك شعراء العامية الذين رحلوا في سن مبكرة. المؤتمر في دورته الثالثة يأتي في محبة الشعر والشعراء وتحت شعار شعر العامية للجميع وقد أقيم بمجهودات ذاتية وحملت الأمسيات أسماء الشعراء الراحلين: طاهر البرنبالي، مجدي الجابري ومحمد الحسيني، ومن الشعراء الذين شاركوا فيها: رجب الصاوي، محمد خالد الشرقاوي، حسّان البربري، محمود الحلواني، سعدني السلاموني، أمينة عبدالله، أمل جاد الرب، محمد شادي، وغيرهم. تشكلت اللجنة الأدبية المختصة بالإعداد لمؤتمر العامية من كل من الشاعر سعيد شحاتة والناقد والفنان أمل سالم، وإشراف الفنان أحمد الجنايني رئيس أتيليه القاهرة. وقال الشاعر سعيد شحاتة لـ”العرب” إن “المؤتمر يأتي في محبة الشعر والشعراء وتحت شعار ‘شعر العامية للجميع’، وهو خطوة في مشوار طويل بدأه من سبقونا وحملونا هذه الأمانة لنحاول جاهدين قدر المستطاع ألا نخونها”. وركز المؤتمر على عدّة أهداف، منها إعادة طرح منتج الرواد الراحلين من خلال ندوة عن كلّ رائد تتحدّث فيها مجموعة من النقاد والمبدعين، إلى جانب عرض فيلم تسجيلي أو الاستماع لنماذج من إبداعاته، وتكريم أحد رموز العامية المصرية الذين مازالوا على قيد الحياة، إلى جانب الأمسيات، وقد حملت كل أمسية اسم أحد الراحلين.نجيب سرور وجد في المسرح فضاء أكثر اتساعا لتجربته وأكد شحاتة أن المؤتمر طرح أسماء الشباب، وهذا هو المهم للاحتكاك بالمؤتمرات والندوات وتقديم الشباب للمجتمع الأدبي بالشكل الذي يليق بإبداعاتهم. وأقيم مؤتمر العامية بالجهود الذاتية، فلا توجد مؤسسة راعية ولا أسماء بعينها راعية للمؤتمر، ويقول شحاته “هذا ليس تقصيرا من المؤسسات ولا من أحد، نحن الذين فضلنا عدم إزعاج أحد بمطالب نقدر على تذليلها، وألقينا حجرا في الماء الراكد لنستعيد العامية المصرية من الفضائيات إلى أرض الواقع، فمصر بها الكثير من الشعراء الكبار، ولا يمكن اختزال هذا الكمّ الهائل من التجارب العظيمة في برامج التوك شو في اسم أو اسمين أو ثلاثة باعتبارهم رموز العامية المصرية”. وطالب الكثير من النقاد بضرورة فتح أبواب المؤسسة الثقافية في كل ربوع مصر لمثل هذه المؤتمرات وتغطيتها بالشكل الذي من خلاله يمكن للمجتمع التعرف على الوجه الحقيقي للإبداع المصري. وهذا ليس في العامية فقط، بل تمنى الجميع أن يكون في كل المجالات. تجارب الرواد من أبرز منجزات مؤتمر العامية، إلقاء الضوء من جديد خلال الندوات النقدية على التجارب الإبداعية للشعراء الثلاثة الرواد محل الاحتفاء، وهم: نجيب سرور وسيد حجاب وأحمد فؤاد نجم، بهدف إعادة اكتشاف عوالمهم الفنية. الكاتب أحمد بهاءالدين شعبان، في قراءته تجربة “الفاجومي” أحمد فؤاد نجم، يرى أنه وقرينه الشيخ إمام (المطرب والملحن الراحل) استطاعا أن يصنعا بالفن الثوري إرادة الحياة في زمن الانكسار، حيث شكلت قصائد نجم وألحان الشيخ إمام طوق نجاة للمتمسكين بالحلم بعد هزيمة 1967. وقال شعبان “عرفنا في قصائد نجم معنى الصمود والمقاومة، ووجدنا فيها السند والتوازن والدعم النفسي من أجل استعادة الذات الجريحة وصورة الوطن المفقود”. ووصف قصائد نجم بأنها تشكل واحدة من أنضج تجارب الفن الثوري الحيوي، المتفاعل مع القوى الشعبية، وتعكس تماهي المبدع مع حركة التاريخ وأسمى معاني الحرية والوطنية، مثلها مثل أعمال الموسيقار سيد درويش، التي حملت رائحة ثورة 1919.سيد حجاب إبحار في شعرية القصيدة الدرامية وأسهمت أشعار نجم ورفاقه فؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودي وسيد حجاب وزين العابدين فؤاد في الإبقاء على جذوة القضية الوطنية متقدة حية لا تخفت، على الأرض، وفي قلوب الجماهير. وأشار الشاعر أشرف أبوجليل إلى أن قصائد أحمد فؤاد نجم وقفت ضد تحديات الحداثة، “كان جيلنا مفتونا بالصيحات الجديدة التي تهاجم الخطابية والإنشائية والمباشرة في الفن، لكن تجربة مثل تجربة نجم والشيخ إمام قادرة دائما على الصمود والتحدي والوصول إلى قلوب الجماهير بصدقها ونبلها”. وأوضح الشاعر يسري حسان في دراسته عن نجيب سرور، أن مسرحه هو الأكثر بروزا في تجربته الثرية، بخاصة مسرحه الشعري الذي لجأ فيه إلى التراث الشعبي، لأنه وجد أن المسرح هو الفضاء الأكثر براحا واتساعا لتجربته. وقال حسان “لعل إقبال الشباب المخرجين في أقاليم مصر تحديدا على مسرح نجيب سرور يؤكد أنه لم يكن مرتبطا بظرف تاريخي ينتهي بانتهاء هذا الظرف، فمسرحه قابل للبقاء لأنه يناقش هموما إنسانية عامة لن تنتهي إلا بانتهاء الحياة. وعند النظر إلى شعره لا بد من استحضار الظرف السياسي والإنساني الذي كتبه فيه”. ووصف الشاعر حسنين السيد تجربة نجيب سرور بأنها مزيج من التمرد والقهر، قائلا “لدى نجيب سرور أشعار كثيرة لم تُنشر بعد، علينا أن نبحث عنها لرصدها وتسجيلها، لتتعرف الأجيال على مدى التحدي والصمود للمبدع الذي يجند إبداعاته للدفاع عن قضايا الوطن والإنسان”. وأكد الشاعر محمد علي عزب أن تجربة سيد حجاب “إبحار في شعرية القصيدة الدرامية”، ولم تكن الأغنية الدرامية عنده مجرد نظم كلمات واضحة مباشرة تطوف حول فكرة وأحداث المسلسل الدرامي وتدور فى فلكه دون أن تنفصل عنه، بل كانت أغنية المسلسل الدرامي التي صاغها بمثابة نص غنائي شعري بامتياز”. وسيد حجاب لم يكن مجرد شاعر عبقري ومتفرد في تجربته الإبداعية فحسب، بل امتدت موهبته العبقرية لتصل إلى ذاته الإنسانية، وهو شاعر كان يحمل مشروعا إبداعيّا متميزا، وصلت كلماته إلى جمهور الشارع المصري والعربي ببساطة وتلقائية وعمق في الآن ذاته.
مشاركة :