طالب الرفاعي: الكتابة الإبداعية نشاط أدبي على قدرٍ عالٍ من الصعوبة - ثقافة

  • 10/19/2017
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

أقام قسم اللغة العربية في جامعة الكويت، صباح أمس - ضمن أنشطته الثقافية المتنوعة - محاضرة عنوانها «الكتابة الإبداعية بين الموهبة والواقع والخيال» ألقاها الروائي طالب الرفاعي، وأدارتها الكاتبة والناقدة الدكتورة سعاد العنزي. ونص المحاضرة استلهمه الرفاعي من كتاب سيصدر له قريباً بعنوان «مبادئ الكتابة الإبداعية للقصة القصيرة والرواية». في البداية عرّف الرفاعي «الكتابة الإبداعية»، بأنها تعبير كتابي شخصي، يعتمد على الابتكار وليس التقليد. والكاتب إذ يحاول محاكاة الواقع، فإنه يستخدم لغته وخياله لخلق قطعة حياة فنية تضجّ بحيوية العيش، وتكون عامرة بشخوصها وأحداثها وأمكنتها وخصوصية بيئتها. وقال: «الكتابة في جوهرها نشاط إنساني يحاول الشخص من خلاله التعبير عن قناعاته ورؤاه وأمانيه، أو تسجيل جزء أو أجزاء من سيرته الذاتية، بدوائر علاقاته الاجتماعية. وتَبّني القضايا الإنسانية الداعية إلى نصرة الخير والعدالة والمساواة والمحبة والسلام، وكشف وإدانة الظلم والخداع والكذب. والكتابة بهذا المعنى هي سجل إنساني يوثق حركة أي مجتمع من المجتمعات». وأوضح المحاضر أن الكتابة الإبداعية تعتمد في جزءٍ منها على الموهبة، كما أنها تعتمد على خمسة عناصر أساسية هي: 1 - صقل الموهبة عن طريق القراءات المتنوعة والمستمرة، للتعرف على أنواع الآداب والفنون. والتأمل في تجارب الحياة وخبراتها، ومحاولة التمعن وفهم القوانين التي تحكم الواقع وتتحكم في حركته. 2 - دراسة العناصر المكوّنة للجنس الأدبي، والأسس العلمية للكتابة الإبداعية. 3 - استخدام الخيال واللغة لتحويل المشهد الحياتي الواقعي إلى مشهد فني مبتكر ومؤثر. 4 - اتخاذ مغامرة التجريب المدروس طريقاً لإنتاج نصوص إبداعية جديدة. 5 - التدريب المستمر على الكتابة، وتجويد الكتابة بمزيد من الكتابة. الكتابة الإبداعية، مهارة تستوجب معرفة الشخص أصول اللغة وقواعدها وأسرارها وتنوع أساليبها. وهي في المحصلة علاقة بين الإنسان واللغة، فحين يزيد تقدير الكاتب واهتمامه باللغة، يدرس قواعدَها ويتقن مهاراتها، ويعيش تجربة الخوض في طرقها ودهاليزها، فإنها ستكشف له، دون غيره، عن جمالها وأسرارها وكنوز خباياها. وأشار الرفاعي أن دوافع الكتابة الإبداعية تختلف من شخص إلى آخر، وذلك تبعاً لوعيه وتجربته الحياتية وبيئته الاجتماعية والفكرية والاقتصادية. ولخص أهم الدوافع على النحو التالي: 1 - التعبير عن خبايا النفس وتجاربها بعيشها ومعايشتها لمحن الواقع الإنساني الشخصي. وذلك عبر مغامرة التجريب لخلق واقع فني مُتخيّل يوازي ويتقاطع مع واقع الحياة. واقع فني قائم بذاته، ويمتلك القدرة على كسر قوانين الواقع الصلبة وتجاوزها. 2 - إمتاع النفس البشرية. 3 - تسجيل موقف حيال قضايا الواقع والإنسان. وبما يُعلي من شأن القضايا الإنسانية العادلة كالحرية والديموقراطية والمحبة والصدق والخير والسلام وقضايا المرأة والطفولة، وإدانة الظلم والعنف والتفرقة والفساد. 4 - وصل الإنسان بالآخر أياً كان وأينما كان هذا الآخر. 5 - عيش لحظة حياة متخيلة، وإعادة عيش لحظات ماضية، وتوليد حياة فنية جديدة مختلفة وطازجة دائماً وباقية. 6 - التبشير بمستقبل حياة أكثر عدالة وحرية وديموقراطية وسلام للإنسان. وقال الرفاعي في ما يخص التخطيط الأولي للكتابة الإبداعية: «الكتابة الإبداعية نشاط أدبي على قدرٍ عالٍ من الصعوبة والتعقيد، لذا فإنه يتطلب تخطيطاً أولياً قبل المباشرة به. ويمكن أن يسير التخطيط الأولي وفق الإمساك بلمعة الفكرة العابرة، وتدوين كلمة أو عبارة. وتدوير الفكرة في الذهن، وتخيّل مشاهدها لفترة قصيرة أو طويلة. وتخيّل ملامح الشخصية الأساسية للعمل القصصي أو الروائي.و تصوّر بيئة العمل المكانية والزمانية. واختيار أسلوب الكتابة: ضمير المتكلم، أو ضمير المخاطب، أو ضمير الغائب. ووضع خطة أولية للبدء بالكتابة، انطلاقاً من نقطة البداية وصولاً إلى الخاتمة». وتحدث المحاضر عن القراءة والخيال والكتابة بقوله: «ربما كانت القراءة المكثّفة والمستمرة تشكّل عنصراً مشتركاً بين جميع الكتّاب العظماء الذين عرفتهم البشرية. خصوصا القراءة المبكرة في سنوات الطفولة والمراهقة». وأضاف: «حين يقرأ الإنسان فإن عقله يقوم بتحويل الكلمات ذات البعد الواحد على الورقة أو الشاشة، إلى صور ذهنية ثلاثية الأبعاد. صور ومشاهد نابضة بحيوية مواقف الحياة. وبذا تتراكم في أذهان القراء آلاف الصور عن بيئات حياتية متخيلة، ويكوّن هذا التراكم المعرفي المتنوع مصدراً أساسياً من مصادر الخيال». وتطرق المحاضر إلى القراءة التي من خلالها نكتشف ونتعرف خبايا أنفسنا بتعقيدات الواقع الذي يحيط بنا، قائلاً: «يبدو الأمر غريباً بقدرة بعض الأعمال الإبداعية على تنبيهِنا لسلوك وشخصيات وقناعات عجزت الحياة الواقعية عن لفت انتباهنا إليها. حتى إن معايشة واقع بعض الأعمال الفنية يكون أقوى وأكثر حضوراً في مشاعرناً من معايشة الواقع الحقيقي الذي نحيا بين جنباته. لذا فإن الأعمال السردية المبدعة تمسّ القارئ في وعيه وتلامس مشاعره فيتأثر وينفعل بها». وأكد أن الكتابة الإبداعية تعتمد في محصلتها على طبيعة وعلاقة الوعي واللاوعي لدى الإنسان الكاتب. فهو ذهب واعياً لكتابة فكرة بعينها، ويتسرب اللاوعي أثناء الكتابة ليلوّن لوحة تلك الفكرة ويبث الحياة بين جنباتها ويعطيها نكهتها الخاصة. وذلك اعتماداً على طبيعة عيش الكاتب وطفولته وقراءاته وخبراته العلمية والعملية. وختم بقوله «إن ما يميّز صوت كل كاتب عن غيره ويجعل لكتاباته بصمة تختلف عن غيرها، هو زاوية تناوله لأفكار ومواضيع بذاتها. وعلاقته باللغة التي تنعكس على لغته وطريقة صياغته للجملة التي يكتبها، مع قدرته على استخدام الخيال والفانتازيا لخوض تجربة كتابة جديدة ومتجددة. هذا مجتمعاً يعتمد على وعي الكاتب وخبرته الحياتية وعلى رصيد قراءاته. لذا فالعلاقة وطيدة جداً بين القراءة وتنمية خيال الكاتب ولغته وكتاباته، وبما ينعكس على لياقته الإبداعية العالية في كتاباته».

مشاركة :