الفرصة سانحة حاليا لتصحيح كثير من الأخطاء التي وقعت فيها الدول الغربية سابقا، والإسهام في استقرار منطقة الشرق الأوسط، والحفاظ على مصالحها في تلك المنطقة أفصح الرئيس الأميركي دونالد ترمب -مؤخرا- عن إستراتيجيته حيال النظام الإيراني وسلوكه العدائي في المنطقة، وتهديده السلام في الشرق الأوسط، عبر الحرس الثوري والميليشيات التي تعمل تحت قيادته. إن هذه الإستراتيجية لا يمكن اعتبارها تصعيدا تجاه النظام الإيراني بقدر ما هي تصحيح لأخطاء كبيرة وقعت فيها الإدارة الأميركية السابقة، بقيادة الرئيس باراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري. لقد جعل الاتفاق النووي النظام الإيراني يتنفس الصعداء، ويقدم طوق النجاة لطهران، لا عبر الاتفاق النووي بعينه، ولكن خلال بنود الاتفاق التي نظرت إلى الحالة الإيرانية من زاوية ضيقة جدا، هي السلاح النووي، مع تجاهل كامل لعناصر كثيرة يُفترض أن تكون مرتبطة به وضمن بنوده، وعلى رأس ذلك دعم طهران للإرهاب والطائفية، والتورُّط في حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة. إن الإستراتيجية الترامبية تقدم بارقة أمل في نظرة دولية مختلفة عن السابق، وأقرب إلى الواقع في التعاطي مع الحالة الإيرانية التي يقودها نظام ولاية الفقيه المتطرف، كما أن قرار وزارة الخزانة الأميركية بوضع الحرس الثوري الإيراني والجماعات المرتبطة به على قائمة التنظيمات الإرهابية، كان قرارا صائبا، وإن جاء متأخرا، وإن كان فيها بعض الثغرات التي ينبغي سَدُّها. فهذا التنظيم الإرهابي الممنوح مظلة رسمية من نظام ولاية الفقيه الذي شرّع لتدخلاته العبثية خارج حدود إيران عبر المادة الـ154 من الدستور الإيراني، لا يختلف مطلقا عما يُسمى بالفاعلين من غير الدول، من جماعات وميليشيات إرهابية كتنظيم القاعدة وداعش وبوكو حرام، وغيرها. لذا، فهذا التصنيف الأميركي يجب أن يتحول من قرار على الورق إلى تطبيق حقيقي على واقع الأرض، وليدرك الجميع أن خطورة النظام الإيراني لا تقتصر على دول بحد ذاتها، بل إن الأنشطة التي تعتمد على الميليشيات والخلايا النائمة والنشطة والطائفية تهدد العالم بأسره. إن الإستراتيجية الترامبية الجديدة تواجه تحديات كبيرة داخليا وخارجيا. فداخليا يوجد نشاط إعلامي محموم يحاول إجهاض هذه الإستراتيجية، ربما ليس بسبب الإستراتيجية بحدّ ذاتها، بل بسبب الخصومة مع الرئيس شخصيا، كما أن هناك لوبيات استغلت هذه الخصومة الإعلامية لمهاجمة الإستراتيجية، خدمةً للنظام الإيراني في المقام الأول. أما على المستوى الخارجي، فأمام الإدارة الأميركية مهمة إقناع المجموعة الأوروبية بضرورة التصدي للعبث الإيراني، ومنع إيران من تطوير الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية، وذلك خلال التركيز على ضرورة إعادة صياغة بنود الاتفاق النووي، بما يضمن تقييد النشاط الإيراني، وإعادة الهدوء إلى منطقة الشرق الأوسط المضطربة. لقد وقعت كثير من الدول الأوروبية في فخّ اقتصادي كان يبدو من الخارج مشهِّيا ومُغريا، وركزت على الكعكة الاقتصادية في إيران بذاتها، متجاهلةً حقيقة ما يحيط بها، بل وبطبيعتها من الداخل. الحقيقة التي تجاهلتها أو جهلتها الدول الأوروبية المتحمسة للاتفاق النووي بصيغته الحالية، هي أن الحرس الثوري يسيطر على الاقتصاد الإيراني، وقد صنع إمبراطورية اقتصادية ضخمة، ابتلعت على مدى السنوات الماضية طبقة البازار التي عُرفت بها إيران عبر العصور، وسُحِقت على مراحل، آخرها بعد الثورة الخضراء عام 2009، ومنذ ذلك الحين أصبح الحرس الثوري يسيطر على مفاصل الاقتصاد كافة. من هنا، فإن الاستثمار في إيران بوضعها الراهن يمثل تقوية لشوكة الحرس الثوري المنبوذ أولًا -وقبل كل شيء- من الشعب الإيراني، ومَن يريد التأكد من ذلك فليقرأ تعليقات الشباب الإيراني على تغريدة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بعد إعلان وزارة الخزانة الأميركية قرارها حيال الحرس الثوري، إذ قال ظريف في تغريدته على توتير، إن «الشعب الإيراني، شبابا وفتيات، يفتخرون بالحرس الثوري، ويرونه ممثلا لهم». معظم التعليقات الإيرانية -إن لم تكن كلها- عارضت هذه التغريدة، وأخذت تضع صورا وتعليقات تكشف مدى تَذمُّر الشباب الإيراني من الحرس الثوري وقوات الباسيج التابعة له، التي سحقت الحركة الخضراء، وقتلت المتظاهرين عبر عناصر القناصة، علاوة على اختطاف وسجن كثير من الناشطين الحقوقيين والفاعلين في مواقع التواصل الاجتماعي، والصحفيين والمدوّنين وغيرهم. الخلاصة، ننتظر تطبيق الإستراتيجية وتحويلها من التصريحات إلى الأفعال على واقع الأرض، ونتوقع أن يبدأ بعض الدول الأوروبية تَفهّم التوجهات الأميركية الجديدة جزئيا أو كليا، وحينها سنجد النظام الإيراني يغيّر سلوكه داخليا وخارجيا. وإن كنا نطالب دائما بإعادة تعريف الإرهاب والالتفات إلى الإرهاب المدعوم من الدول -خصوصا النظام الإيراني- لأنه الأخطر، إلى جانب إرهاب داعش وأخواتها، فإننا نعتقد أن الفرصة سانحة حاليا لتصحيح كثير من الأخطاء التي وقعت فيها الدول الغربية سابقا، والإسهام في استقرار منطقة الشرق الأوسط، والحفاظ على مصالحها في تلك المنطقة. وبصفتنا الأقرب جغرافيا إلى إيران، ونحن كدول خليجية وعربية نُعَد الأكثر تضررا من العبث الإيراني في المنطقة، وبما أننا قد فرّطنا سابقا في فرصة الضغط على مجموعة 5+1 لنكون ضمن دول التفاوض، ونضع شروطنا، ونوضح تَحفّظاتنا على بنود الاتفاق، فإن الفرصة قد تتكرر قريبا، خصوصا أن الكونجرس الأميركي أمامه 60 يوما لإعادة تقييم الاتفاق النووي، ونتوقع إدخال تعديلات على الاتفاق النووي مع الإبقاء عليه، وينبغي الضغط لنسهم في إعادة صياغة الاتفاق بما يضمن أمن واستقرار المنطقة، وتوقُّف طهران عن سلوكها العدائي.
مشاركة :