مسعود البارزاني الذي خرج من مغامرة الانفصال خاسرا، ولو على المدى القصير، لن يخسر موقعه في زعامة الشعب الكردي.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/10/19، العدد: 10786، ص(8)] تخلى الجميع عن مسعود البارزاني وبات الرجل وحيدا، يدفع ثمن مغامرته كما لو أنه خطط ونفذ مشروعه في غرفة مظلمة ولم يستشر أحدا في ما كان قد نوى الإقدام عليه. في ما مضى كان كاكا مسعود بالنسبة لسياسيي بغداد عنوانا للحكمة ورجاحة العقل والحصافة، وهو الذي تدخل أكثر من مرة للحد من تداعيات صراعاتهم والتقريب بين وجهات النظر التي يعرف مسعود أكثر من سواه كم هي قائمة على مصالح شخصية وحزبية لا علاقة لها بأي مشروع وطني. الرجل الذي دعا إلى استفتاء الانفصال، وقد أضفت عليه تلك الدعوة صفة الزعامة التاريخية بالنسبة لعامة الأكراد، كان على يقين من أن هامش المغامرة في دعوته يكاد لا يُرى. لقد رفع شعار “حق تقرير المصير” وهو شعار لا يقف أحد ضده. حكومة بغداد نفسها لا تجرؤ على الاعتراض عليه، غير أن البارزاني كان يدرك أن ذلك المصير لن يكون ذا معنى من غير كركوك، المدينة الغنية بالنفط. لذلك فإن وعده بكردستان المستقلة سيكون بمثابة نفخة هواء إذا لم يتم الاعتراف، عن قناعة، بتبعية كركوك لدولته المرتجاة. وهنا بالضبط وقع البارزاني في المحظور دوليا. لم يكن مهما بالنسبة له الموقف الذي تتخذه بغداد من مسألة ضم كركوك إلى مشروع الدولة الكردية. فذلك الموقف لن يتجاوز حدود الشكوى إذا ما كان الموقف الدولي، وبالأخص موقف الولايات المتحدة، مضمونا. غير أن الولايات المتحدة التي صمتت حين ضم الأكراد كركوك إلى إقليمهم ستبقى على صمتها إذا ما سعت حكومة بغداد إلى استعادة المدينة النفطية. وهو ما لم يكن كاكا مسعود يتوقعه. من جهة أخرى فقد كان صادما أن يتخلى الفرقاء الأكراد عن البارزاني الذي كان يراهن على جبهة داخلية بدت هشة أكثر مما كان يتوقع. كان الاستعراض الشعبي ضروريا لجذب تعاطف عالمي كان الأكراد يحظون به دائما بسبب ما تعرضوا إليه من اضطهاد عبر سنوات نضالهم من أجل الحصول على حقوقهم المدنية والاعتراف بهم شعبا بخصائص ثقافية مختلفة. لقد طغى الحديث عن الفساد المستشري في الإقليم الكردي من خلال اتهامات وُجهت إلى رئيس الإقليم مباشرة على محاولة استعراض وحدة الصف الكردي في مواجهة اعتراضات بغداد التي وجدت طريقها إلى الواقع من خلال استعادة القوات العراقية لكركوك وطرد قوات البيشمركة منها. الأكراد المختلفون في ما بينهم لن يشعروا بأي نوع من الحزن بفقد كركوك بل إن بعضهم سيشعر بالغبطة. من وجهة نظرهم فإن الخاسر الوحيد من إفلات كركوك من القبضة الكردية هو مسعود البارزاني الذي كان حسب رأيهم المستفيد الوحيد من إيرادات المدينة النفطية. كان الإجراء العراقي باستعادة كركوك مناسبة، يقول من خلالها خصوم البارزاني رأيهم فيه. وكان إعلان ذلك الرأي بمثابة الضربة التي قضت على أحلام الرجل الطامح إلى الزعامة التاريخية المطلقة. غير أن كل مما جرى لا يعني أن الرجل قد أفل نجمه وانتهى دوره في قيادة الشعب الكردي وصار في إمكان خصومه أن ينصبوا بديلا عنه. كان إجراء الاستفتاء بما يصطدم بالإرادة المحلية والإقليمية والأميركية خطأ فادحا، ولكن الأخطاء لا تُسقط الزعماء في العالم المتخلف، بل قد تزيد من جاذبيتهم فيصبحون أبطالا في عيون المعجبين بهم. لذلك يمكنني القول إن مسعود البارزاني الذي خرج من مغامرة الانفصال خاسرا، ولو على المدى القصير، لن يخسر موقعه في زعامة الشعب الكردي. فإذا ما عرفنا أن الرجل لا يزال رئيسا للإقليم بالرغم من أن رئاسته الشرعية فد انتهت منذ سنوات، فإن بقاءه محتفظا بمكانته في أعلى السلطة لن يؤثر عليه خطأ سيتم التعامل معه باعتباره هفوة عابرة من قبل الجهات التي تؤمن أن التفاهم معه أكثر يسرا من التفاهم مع غيره، ذلك لأنه شخص يفهم لغة المصالح. في مقدمة تلك الجهات تقف الولايات المتحدة وحكومتا بغداد وأنقرة. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :