السيناريو هو الحلقة التي تربط الفن بالصناعة، وإذا كان في بدايات السينما لم يتجاوز أن يكون خطة أولية لتصوير شريط سينمائي فإن الأمر ما عاد كذلك، وصار السيناريو الشريط السينمائي في طور الكتابة.العرب حميد سعيد [نُشر في 2017/10/21، العدد: 10788، ص(16)] السيناريو هو النص السينمائي، وهو أساس أي فيلم سينمائي، إذ كل ما يأتي بعده في صناعة السينما، يكاد يكون إجراءات تنفيذية لما ورد فيه. التقيت منذ أيام الروائي العراقي علي خيون، حيث انتقل مؤخراً للإقامة في الأردن، وصرنا نلتقي بين الحين والحين، فإذا التقينا شرَّقنا وغرَّبنا في أحاديث يندر أن تتجاوز ما هو ثقافي، وهذا ما كنا نفعله أيضاً حين كنا نلتقي ببغداد، ولأنني أعرف شغفه بالسيناريو، وأعرف أن له تجارب في كتابة السيناريو، فقد سألته: إنْ كان يواصل كتابة سيناريوهات سينمائية، فأجابني ضاحكاً: لمن أكتبها؟ أي لم يعد هناك سينما في العراق، ليشارك فيها بكتابة سيناريوهات، أما أنا فأحب قراءة السيناريوهات وأتمتع بهذه القراءة، سواء جاءت بعد أن شاهدت الفيلم أو قبل أن يتحول السيناريو إلى فيلم، وأجد في قراءتها متعة لا تتوفر لي في قراءة أجناس الكتابة الأخرى، مع أنني من النادر أن يمر يوم من دون أن أشاهد فيلمًا أجنبيًّا على إحدى قنوات التلفزة. إن عدداً من كبار الكتاب كتبوا سيناريوهات لأفلام مهمة، وقد قرأت أخيراً في مجلة الحياة الثقافية، التونسية، سيناريو بعنوان “الغضب” كتبه الفرنسي من أصل روماني أوجين يونسكو، ترجمه الأكاديمي التونسي زهير الذوادي، وقد أشار إلى أنه ظهر في فيلم سينمائي. ومن الكتاب العالميين الذين كتبوا السيناريو، جان بول سارتر وجون شتاينبك وأرنست همنغواي وجاك بريفير وآرثر ميللر وغونتر غراس وروجيه دوبريه وغيرهم، ومن العرب بحدود ما اطلعت عليه، نجيب محفوظ وجبرا إبراهيم جبرا وفؤاد التكرلي ومهدي عيسى الصقر، ومن المؤكد أن غيرهم من الكتاب العرب كتب السيناريو. في أكثر من مناسبة، اقترحت على مؤسسات ثقافية ومسيرين ثقافيين نشر سيناريوهات الأفلام العالمية المهمة، مع مقدمات يكتبها مثقفون من أصحاب الاختصاص أو القريبين منه. وحين كنت أقدم مقترحي هذا فلأنني كنت أدرك أن غياب السيناريوهات المكتوبة، أو شحتها، يؤدي إلى نقص في الثقافة السينمائية. وليس من شك في أن انتشار السينما، قبل التلفزة وبعدها أيضاً، من بين أكثر الوسائل الثقافية تأثيراً وأوسعها انتشاراً. في كتابي” الكتابة ومآلاتها” أشرت إلى أن السيناريو هو الحلقة التي تربط الفن بالصناعة، وإذا كان في بدايات السينما لم يتجاوز أن يكون خطة أولية لتصوير شريط سينمائي فإن الأمر ما عاد كذلك، وصار السيناريو الشريط السينمائي في طور الكتابة، وكلما كان السيناريو عميقاً، يَسَّرَ إنتاج شريط سينمائي جيد. لقد لفت أنظارنا د. جابر عصفور إلى ملاحظة مهمة حين قال “إن تقنيات السينما أعارت نفسها للكتابة الأدبية التي أفادت من الأساليب السينمائية في التزامن والمشاهد الارتجالية والكشف المزدوج واللقطات المقرَّبة والقطع وتراكب الصور والخفوت التدريجي والإدماج وغيرها” وكل هذه التقنيات التي وردت ضمن ملاحظة د. جابر عصفور، من مفردات عمل كاتب السيناريو ومن وسائله في الكتابة. وحين نقرأ السيناريو لا بد أن تشترك في القراءة جميع الحواس وكل الطاقات الذهنية، ومعها عمل الذاكرة والمخيلة في آن واحد. ومن يقرأ كتاب “التمثيل السينمائي” لـ”ألن أوراين” يدرك أن الصورة النهائية نتيجة قراءات متعددة للسيناريو، قراءة الممثل وقراءة المصور وقراءة المخرج وقراءة المونتير. إن الإجابة عن السؤال الذي طرحه كامل يوسف حسين، في مقدمة “راشامون” -وهي قصة قصيرة للياباني “أكوتا جاوا”- بشأن فيلم “راشامون” الذي أخرجه الياباني “كيروسانوا”، كيف صنع هذا الفيلم المميز من تلك الصفحات القلائل؟ نجدها في السيناريو الذي حلَّق بعيداً في سماء الإبداع. كاتب عراقيحميد سعيد
مشاركة :