أفلام مهرجان برلين تنتصر لصورة المرأة القوية بقلم: أمير العمري

  • 2/15/2017
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

أفلام مهرجان برلين تنتصر لصورة المرأة القوية حتى الآن وبعد أن انتهى الأسبوع الأول من الدورة الـ67 لمهرجان برلين السينمائي، يظل غائبا عن المسابقة الرسمية العمل الكبير المرموق الذي يصعد فوق باقي الأفلام، ليتربع على القمة، ويصنع لنفسه مكانا بارزا كإحدى التحف السينمائية التي يفاجئنا بها الفن السينمائي عاما بعد عام، كلما ظن البعض أنه لم يعد في الإمكان أبدع مما كان. العربأمير العمري [نُشرفي2017/02/15، العدد: 10544، ص(16)] لقطة من فيلم "فليسيتيه" صمود المرأة يمكن القول إن أفلام المسابقة الرسمية للدورة الـ67 لمهرجان برلين السينمائي، جاءت في معظمها إلى حد الآن، متوسطة المستوى، بل إن الكثير منها بدأ بداية جيدة، توحي بالابتكار والجرأة، لكن سرعان ما خبت الفكرة، وقل الطموح، وتراجع التألق الأولي، بعد أن يضل المخرج الطريق، ويظل يدور حول الفكرة الأولية، محاولا -دون نجاح يذكر- إنقاذ الفيلم من الهبوط، عن طريق إدخال بعض الشخصيات والأحداث والمواقف الفرعية التي تبتعد بالفيلم عن الفكرة الأساسية وتبدو أقرب إلى الشطحات التي تؤدي بالمتفرج إلى فقدان الاهتمام. ومع ذلك تميز فيلمان أو أكثر من أفلام المسابقة بابتعادهما عن النمطية وما هو شائع في الدراما التقليدية، بحثا عن آفاق جديدة للتعبير عن رؤية المخرج-المؤلف. هنا يمكن القول إن صورة المرأة كشخصية تتمتع بالقوة والصرامة والقدرة على مواجهة مصيرها بشجاعة، ومواجهة العالم دون تردد أو تراجع أو خضوع للتهديدات، برزت بوضوح في أكثر من فيلم، منها على سبيل المثال الفيلم الفرنسي “فليسيتيه” للمخرج السنغالي الأصل آلان غومي الذي يحاول أن يكتشف من خلال أسلوب أقرب إلى أسلوب السينما التسجيلية، كيف تصمد امرأة مطلقة وحيدة تولت تنشئة ابنها بنفسها، وترفض التراجع أمام شتى الضغوط حتى لو اضطرها الأمر إلى أن تجثو على ركبتيها وتستجدي من أجل إنقاذ ابنها الذي تعرض لحادث، وأصبح مهددا بفقدان إحدى ساقيه بالبتر. البحث عن حل في النصف الأول من الفيلم تبرز المرأة (فليسيتيه) كشخصية قوية تتمتع بالحضور المدهش كراقصة ومغنية تغني الأغاني الكونغولية الشعبية في أحد بارات كنشاسا، وتتصدى لأي محاولة ذكورية لاستغلالها، تبدو شامخة في احتفاظها بكرامتها، لكنها تفقد توازنها بعد الحادث الذي يتعرض له ابنها، فتظل تدور على أطراف عديدة تطلب المساعدة المالية لتدبير ما يطالبها به المستشفى الذي يوجد فيه ابنها، مقابل إجراء عملية جراحية له. "عن الجسد والروح" فيلم عن الوحدة، والألم، ومعاناة الإنسان من أجل تحقيق الحب في عالم يسيطر عليه العنف خلال ذلك يوجه الفيلم نقدا شديدا لذلك الغياب الفادح لنظام حقيقي للرعاية الصحية في الكونغو، ثم نرى فليسيتيه تذهب إلى زوجها السابق الذي يطردها شر طردة، وإلى شقيقها الذي يتخلى عنها، بل ويأمر أعوانه بضربها وسحلها على الأرض، والواضح أن أهل فليسيتيه يتبرأون منها بسبب ما تمارسه من عمل. أما صاحب البار الذي تعمل لديه، فهو لا يريد أن يدفع لها أجرها المتأخر، مما يجبرها على الاستعانة بالشرطة مقابل تقديم رشوة.. وهكذا، لكنها مع ذلك تصل متأخرة وتعجز عن إنقاذ ساق ابنها. في النصف الثاني من الفيلم يركز السيناريو على العلاقة بين فليسيتيه ورجل منفلت، زير نساء، مدمن للخمر، تعجب رغم ذلك بقوته ورومانسيته وجرأته، تشعر بالارتياح له وبأنه يمكن أن يحتل مكان الأب الغائب لولدها. هنا، يسرف المخرج كثيرا في تصوير مشاهد ولقطات تجريدية عامة، ويضيف لمحات تساهم في إضفاء الغموض على مصير الشخصية الرئيسية بدلا من تسليط الأضواء عليها، مبتعدا عن تحليل الشخصيات ليبدو أكثر اهتماما بتسجيل مظاهر فوضى الشارع وتحايل البسطاء من أجل الحياة في سياق تسجيلي. لعنة الحيوانات في الفيلم البولندي “مقتفية الأثر” (Spoor) للمخرجة المخضرمة أنييسكا هولاند، نحن أمام امرأة في أوائل الستينات من عمرها، تعيش وحيدة في بلدة على حافة غابة من الغابات التي تنتشر فيها الحيوانات النادرة التي تتعرض لعمليات منظمة من القتل على أيدي عصابات الصيادين الباحثين عن الثراء، بمساعدة السلطات التي تتستر على الصيد المحظور قانونا، مقابل المال، وهذه المرأة التي تؤمن بالعلاقة بين حركة النجوم ومصائر البشر، هي التي تتصدى بقوة دفاعا عن الحيوانات حتى لو سارت في طريق الجريمة، لا يثنيها شيء خلال دفاعها الحار عن حق الحيوانات في الوجود الحر، وهي تعتقد أن الأوبئة التي تجتاح العالم مثل مرض أنفلونزا الطيور وغيره، هي رد الفعل العقابي من جانب الكائنات الأخرى انتقاما من الإنسان لما ينزله بها. الفكرة طريفة دون شك، والبداية كانت تبشر بعمل ممتع سينمائيا، غير أن المخرجة تستغرق كثيرا في الحوارات التي تقترب من المحاضرات العلمية بكل تفاصيلها، خاصة بعد أن يصبح أحد علماء الحشرات طرفا أساسيا في الحبكة، ولكن دون أن تتطور هذه الحبكة ليظل الفيلم يدور حول نفسه! أفضل أفلام المسابقة على الإطلاق حتى لحظة كتابة هذه السطور، هو الفيلم الشيلي “امرأة رائعة” (A Fantastic Woman) للمخرج سباستيان ليلو الذي أدهشنا قبل ثلاث سنوات بفيلمه البديع “غلوريا” الذي عرض في مسابقة هذا المهرجان (حصلت بطلته على جائزة أحسن ممثلة). من أفضل أفلام المسابقة "عن الجسد والروح" أما الفيلم الجديد فهو أكثر الأفلام التي شاهدناها اكتمالا، ورغم أنه لا يرقى إلى مستوى التحف السينمائية، إلا أنه يؤكد قدرة مخرجه على رواية قصة تدور حول شخصية رئيسية هي امرأة عاملة (تعمل في مطعم) ترتبط بعلاقة عاطفية مع رجل ثري يكبرها في العمر بنحو ثلاثين عاما. وفي اليوم الذي تنتقل فيه للإقامة معه في شقته الفخمة، وبعد ممارسة الجنس، يموت الرجل نتيجة لانفجار أحد شرايين جسده بسبب ورم كان قائما بالفعل، أي أنها لم ترتكب جرما يمكن أن تحاسب عليه، ومع هذا، ومنذ هذه اللحظة، بعد أن تنقله إلى المستشفى حيث يلفظ أنفاسه الأخيرة، تصبح حياة “مارينا” جحيما لا يطاق بفعل ما تتعرض له من ضغوط هائلة: سواء من قبل الزوجة السابقة للرجل، أو ابنه الشاب، وكلاهما يطالبان بالعثور على سيارة المتوفى وشقته، أي طرد مارينا منها، بل ويستولي الابن أيضا على الكلبة التي رافقت مارينا طويلا وأهداها لها الرجل قبل وفاته. كذلك تحيط بمارينا الشكوك والاستجوابات العديدة من جانب الشرطة، والتي تصل إلى درجة مهينة، عن طريق إرغامها على الخضوع للفحص الجسدي والمطابقة وإجراء التحاليل الطبية، بحيث تنتهك خصوصيتها تماما، ثم حرمانها من حضور جنازة الرجل الذي كانت تحبه حبا حقيقيّا بإخلاص، ولم تكن طامعة في ماله بأي شكل، بل إنها ترفض أي نوع من التعويض المالي. تخوض مارينا رحلة شاقة للتغلب على الأزمة العنيفة التي تتعرض لها، رافضة قبول أي مساعدة، إلى أن تتمكن من تجاوز أزمتها واستعادة حياتها مجددا. هذا الفيلم يتميز عن سائر أفلام المسابقة من ناحية السيناريو الذي يميل إلى التركيز على موضوعه وعلى الشخصية الرئيسية في الفيلم، دون أن تفلت منه خيوط الموضوع الأساسي، مهما تفرع وامتد إلى تفاصيل وشخصيات أخرى تساند شخصية البطلة، مع الاحتفاظ بالقدرة على إثارة الدهشة والخيال، ودفع المتفرج إلى التفكير في ما سيحدث في المشهد التالي، أي أن الفيلم يملك طول الوقت الجديد الذي يكشف لنا عنه، يظل يسير إلى الأمام نحو تفاصيل جديدة تنير مناطق أخرى في الشخصية، كما يتميز الفيلم بالأداء الشامخ من جانب الممثلة دانييلا فيغ التي قامت بالدور الرئيسي والتي ربما تنال جائزة أحسن ممثلة، إن لم يحصل الفيلم نفسه على الدب الذهبي. مارينا مثلها مثل غلوريا، تتحقق عن طريق الرقص والموسيقى، تترك جسدها ينتفض من أجل التخلص من آلامها، لكن التسامي الروحي يتحقق مع الغناء الأوبرالي الذي تتدرب عليه وتقدمه للجمهور أخيرا قبل أن يسدل الستار على هذا الفيلم البديع. الروح والجسد “عن الروح والجسد” (On Body and Soul) هو عنوان الفيلم المجري الذي عرض بالمسابقة من إخراج إيديكو إنيدي الذي تعود به هذه المخرجة إلى السينما بعد 18 عاما من الغياب، لتدهشنا بموضوعها المبتكر، المثير للفكر والخيال. مارينا في فيلم "امرأة رائعة" تتحقق عن طريق الرقص والموسيقى، تترك جسدها ينتفض من أجل التخلص من آلامها تدور أحداث هذا الفيلم الغريب داخل مسلخ للحيوانات (سلخانة)، ويصور كيف تنشأ علاقة حب حقيقي بين اثنين لا يربطهما شيء مشترك، فالرجل تجاوز ما يسمى بمنتصف العمر، جاف الملامح، يبدو منطويا على نفسه، يخفي أكثر مما يعلن، لكنه شديد الرقة والحساسية في داخله، أما المرأة فهي فتاة شابة عذراء دون أي تجربة جنسية أو عاطفية، تبدو خائفة، وجلة، شاحبة، مترددة ومتلعثمة. الاثنان يعملان معا في هذا المكان الذي يعكس قسوة وتوحش الإنسان في طريقة التعامل مع الحيوانات بالذبح وتقطيع الأوصال التي ينتج عنها تدفق الكثير من الدماء، وهذا هو معنى “الجسد”. الرجل مغرم بالفتاة ربما بسبب غموضها وبراءتها واغترابها مثله عن هذا العالم، لكنه مثلها عاجز عن التواصل معها. والاثنان يتواصلان فقط عن طريق الأحلام التي سنعرف أنها متطابقة، فكلاهما يرى الحلم نفسه: أنهما أصبحا غزالا وغزالة، يتلامسان قرب مشرب الماء في الغابة، يمرحان معا ويجريان في فضاء الغابة، دون أن يحدث بينهما ما يقع عادة بين الذكر والأنثى. كيف يمكن تفسير هذا الحلم المشترك، وهل يمكن أن يتقارب الرجل والفتاة ويقيما علاقة حقيقية في الواقع وليس في الخيال، وما الذي يمكن أن يجمع بينهما، وكيف يمكن تفسير هذا الحلم؟ هذه التساؤلات وغيرها هي ما يطرح في الفيلم على نحو خافت، ومن خلال رسم دقيق للعلاقة المعقدة المرهفة بين الاثنين. الفيلم عن الوحدة، والألم، ومعاناة الإنسان من أجل تحقيق الحب، عن انعدام التحقق في عالم يسيطر عليه العنف والشهوة والشراسة، عن غياب التواصل، والهرب إلى الأحلام، عن الحب “الروحي” المكتوم الذي ربما لا يكون من الممكن الوصول إليه سوى بعد أن يتم تعميد الجسد بالدم، وهذا هو معنى “الروح”. إخراج متمكن واثق، مع اهتمام كبير بالتكوين، بالإضاءة، بالانتقال السلس الممتع من عالم الخيال في الغابة، بسحره القريب ممّا وراء الواقع، إلى الواقع القاسي الدموي داخل المسلخ بصراعاته وبما يقع فيه من تجاوزات (أرضية). التصوير يحافظ ببلاغة على ذلك الطابع الذي يميز الواقعية السحرية: واقعية الحلم، وواقعية الحياة، وتجسيد تمثيلي بارع ومعبر وبليغ، بلاغة الشعر، من جانب كل من الكسندرا بوربيلي (في دور الفتاة) وغيزا موركساني (الرجل). ناقد سينمائي من مصر

مشاركة :