كان عنترة بن شداد العبسي يدير معاركة بروح الأقوياء. لا يقلل من شأن خصومه. كان يرفع من قدرهم ومن قوتهم ومن إمكانيتهم ثم يهزمهم. عندما ينتصر لا يكون انتصر على دجاج بل على أشداء أقوياء. لنسمعه يقول في احد خصومه بعد أن جندله فَشَكَكْتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ بَطَلٍ كَأَنَّ ثِيابَهُ في سَرحَةٍ يُحذى نِعالَ السِبتِ لَيسَ بِتَوأَمِ عندما يتحدث أوباما اليوم عن داعش يطبق هذه النظرية. ويبدو أن هذه سياسة الغرب الإعلامية. أتذكر عندما بدأت قوافل وأساطيل القوات الأمريكية تتوافد على المنطقة لتحرير الكويت كان الغرب يتحدث عن الجيش العراقي بوصفه سادس جيش في العالم. كنا نقرأ أن الكويت أصبحت قلعة عراقية حصينة ربما تحتاج إلى ضربات نووية لتحريرها. أما في العالم العربي المناصر لصدام فقد شاع أن صدام اخترع صاروخا اسماه (كانت هناك مدينة) إذا حط هذا الصاروخ على مدينة محاها من الوجود. (هذا الوهم المخدر مازال يحركنا حتى الآن). الغرب لا يلجأ في معاركة للوهم ولا يقلل من حجم خصمه لكي يعطي نفسه فرصتين. فرصة النصر المجيد أو فرصة الهزيمة حتى لو تضاءلت إمكانية حدوثها. الشيء الآخر الذي يتوجب علينا أن نفهمه أن أوباما يبني قراره على تجربة الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق على ضوء آخر غير الذي نستخدمه. يعرف أن فشل الجيش الأمريكي في أفغانستان لا يعود إلى تكافؤ القوة بين الجيش الأمريكي وبين طالبان. يعود الفشل إلى تقدير السابقين للكلفة مقابل الجائزة. أمريكا تستطيع أن تزيل الشعب الأفغاني من الوجود وليس طالبان وحدها. ولكن الصراع الحقيقي الذي نرى غباره في أفغانستان خيله وسيوفه تتطاحن في داخل الغرب نفسه. كم سيدفع أوباما وحزبه مقابل النصر في أفغانستان لو استمر. معركتهم في أفغانستان معركة طرفية عندما تنظر إليها داخل الاستراتيجية التي تستهدفها أمريكا. بالنسبة لنا كبيرة وضخمة وربما مصيرية أما في واشنطن ليست إلا ملفا صغيرا في صراع عالمي ومحلي واسع. الصراع الحقيقي لا يدور بين الجيش الأمريكي والأفغان وإنما صراع شركات ولوبيات سياسية وأحزاب في داخل واشنطن. بعض المتصارعين لا يعرف أين تقع أفغانستان. لكي نتفهم طبيعة المعركة الدائرة في واشنطن علينا أن نعرف أن مصاريف الجيش الأمريكي من الطاقة الكهربائية تفوق مصاريف دولة صناعية بحجم السويد. اضف إلى كلفة الطاقة هذه كلفة (شراء الطائرات والسيارات والأسلحة الخ) لك ان تتخيل الرجال والنساء المستفيدين من هذه الكعكة الضخمة وكيف ستكون أهمية الإنسان السوري أو الأفغاني أو العراقي الفلسطيني بالنسبة لهم. لا يخرج الجيش الأمريكي في مهام إنسانية إلا في حالة واحدة إذا تطابقت مصالح الرجال في واشنطن مع التوجه الإنساني العالم ليس بالطفولة التي تصنع في خطب المنابر. كل واحد منا يعرف هذه الحقيقة ولكنه يضطهدها في داخله مع الأسف.. لنأخذ غزة كمثال حي على الحقائق المضطهدة: ما فارق القوة بين إسرائيل وغزة. من يظن أن إسرائيل غير قادرة على إزالة غزة من الوجود فهو مع احترامي ساذج. بل في أقصى درجات السذاجة. تستطيع إسرائيل إزالة غزة وأهلها من الوجود في دقائق ولكنها في نفس الوقت غير قادرة. يبدو هذا الكلام متناقضا ولكنه ليست كذلك إذا فهمنا الصراع داخل القوى الغربية. مثلما أن أمريكا لا تستطيع محو الشعب الأفغاني من الوجود فإسرائيل لا تستطيع محو غزة من الوجود بناء على قاعدة (الكلفة والجائزة). نحن لا نملك من مساهمة في هذا الصراع إلا صراخنا في التويتر والمنابر التقليدية. التويتر كما نعلم منصة صوتية تملكها أمريكا., بضغطة زر واحدة في كاليفورنيا يلغون حتى إسهام حناجرنا الوفية. ولكي نكون اكثر واقعية ونبني مستقبلا مزدهرا علينا أن نعي بأنا لسنا أعداء لأننا لسنا جزءاً من الصراع نحن في أحسن الأحوال جزء من أدواته.
مشاركة :