تحطيم الجسد والروح

  • 10/23/2017
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

الواقع يؤكد أن هناك خللاً رهيباً في المجتمع الكويتي، نتج عن الطبيعة الريعية للاقتصاد والموروث الاجتماعي، الذي سقط فريسة سهلة لهذا الاقتصاد. اي ان الاقتصاد او الطفرة النفطية لم تكن مهيأة بحد ذاتها للعبث فينا والتحكم في سلوكنا وعقليتنا، بقدر ما كنا نحن «أصلاً» مهيئين بحكم الموروث والتراث الاجتماعي البدائي، لأن نتقبل بسهولة وبلا مقاومة النتائج والتأثيرات السلبية للطفرة النفطية. هذا، بالاضافة الى ان القوى المعادية للحداثة وللتغيّرات السياسية استخدمت نفوذها وقدرتها لنشر الفوضى الريعية، ولتدمير الأسس والملكات الإنسانية للمواطن الكويتي. لقد استخدمت القوى المعادية للحداثة السياسية (النظام الديموقراطي) الوفرة النفطية لتخريب النظام الديموقراطي وغرس الفوضى فيه. وكانت وسيلتها لتحقيق ذلك هو «تخريب» المواطن الكويتي نفسه.. روحاً وجسداً؛ روحاً من خلال تحطيم قيم مجتمع ما قبل النفط، وجسداً من خلال العبث بالتركيبة السكانية. المجتمع الريعي لم يكن المجتمع المثالي، ولكنه مجتمع خلقته ظروف الطفرة النفطية وحسن نوايا الآباء المؤسسين، الذين لم يوفّقوا في «تدريب» أبناء النفط على الحياة. لقد أغدق الآباء المؤسسون، بدءاً من المرحوم احمد الجابر، الثروة المتوفرة من الموارد المتنامية للنفط على السكان، وقد بلغ هذا الإنفاق مداه في عهد المرحوم عبدالله السالم، الذي دخلت الكويت في عهده منتدى الإنتاج النفطي الدولي كأحد أهم وأغنى اعضائه. وبحثت الإمارة في بداية الخمسينات، ثم الدولة، عن كل السبل المعقولة، وحتى غير المعقولة او المبالغ فيها، لتعميم الخير النفطي او «رش» الجميع بالنفط. (رشة النفط، عبارة كانت تستخدم في بداية الخمسينات والستينات لمن اغتنى فجأة من موارد النفط، وبالذات من التثمين)، طبعاً وحتى لا يتشنّج حماة المال العام ومدّعو الوطنية، فقد كانت هناك محاباة، وكان هناك تمييز، وهناك من تحصل عشرات المرات على أكثر مما يستحق، وبلا حق أو سند. لكن القصد ان الموارد النفطية رشت الجميع. وفي الواقع اجتهد الحكم في استنباط طرق ووسائل هذا الرش. كان ابلغها تثمين البيوت. ورغم ان التثمين اساسا كان بسبب التطور وتحديث المدينة، فإنه استخدم لتوزيع الثروة النفطية، واستخدم اكثر لتنفيع البعض وتفضيله بالتثمين على غيره. لهذا نجد شوارع الكويت غير مستقيمة ومتعرّجة بسبب ان «التثمين»، او بالأحرى التنفيع، وليس التخطيط الحديث، هو الذي كان يحدد استقامة الشارع وكيفية سريان المرور والعمار فيه. واستخدمت الإمارة التعليم للارتقاء بالمواطنين، فقد كانت مدارس المعارف في ذلك الوقت تُعلّم وتُطعم وتكسو وتُطبّب وتدفع رواتب ومكافآت لمن يعلّم أبناءه. كما استخدم التوظيف لتوزيع الثروة، فتم توظيف كل من يرغب وبرواتب تعتبر عالية جدّاً قياساً إلى ما قبل الطفرة النفطية. وسواء استلزم العمل توظيفه أم لا. ومن المناسب الإشارة هنا الى ان التسيّب والترهّل الوظيفي بدآ بسبب هذا مبكرا. وأذكر أنه في الخمسينات تم ضبط أحد الكويتيين وهو يعمل في وزارتين ــــ دائرتين في ذلك الوقت ــــ ولكي نكون أكثر دقة، فهو لم يكن يعمل أصلا، ولكنه كان يقبض راتبا من كل دائرة. ولم يكن هناك كمبيوتر ولا سجلات، ولا حتى هويات، لهذا لم يكتشف أمره إلا صدفة. ففي ذلك الوقت، لم تكن الرواتب تذهب إلى البنوك، بل يوزعها أمين صندوق الوزارة. وكان صاحبنا يحضر أول كل شهر ليقبض الراتب. وتصادف أن أمين صندوق دائرة الأشغال يزور أمين صندوق دائرة الكهرباء، فوجد صاحبنا عنده. وطبعا تم كشف أمره، وكان عقابه الوحيد الفصل من إحدى الدائرتين. وبالمناسبة، لم يكن هذا من حديثي التجنيس أو مزدوجاً، بل كان كويتياً أباً عن جد. غداً.. الإنفاق السلبي عبداللطيف الدعيج

مشاركة :