كردستان وفلسطين... قياسات مشبوهة وسياسات انتقائية

  • 10/25/2017
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

إعلان إسرائيل جهرة تأييد طموح العراقيين الأكراد إلى الانخراط في دولة خاصة بهم، وإنكارها ذلك على الشعب الفلسطيني، يجعلها كمن يرى القشة في عيون الآخرين ويتعامى عن رؤية الخشبة التي في عينه. لا ريب في أن المقارنة بين حالتي الأكراد والفلسطينيين لا تخلو من تجاوز صارخ للمنطق والموضوعية. ففي التحليل الأخير يبقى مطلب الأكراد بالاستقلال عن الدولة العراقية قضية خلافية جداً، قابلة للجدال بالمعاني التاريخية والثقافية والسياسية والفقهية القانونية. ولعل التوصيف الأكثر صدقية في تشخيص ما يسعون إليه، هو أنهم أصحاب نزعة انفصالية عن دولة وطنية أُمّ، لا تحظى بالتعاطف الإقليمي أو العالمي العام، ولا رصيد لها في قرارات التنظيمات الدولية المتعلقة بحقوق الشعوب في تقرير المصير. أين هذه المعطيات من واقع الفلسطينيين وقضيتهم، التي تندرج تحت باب الخضوع عنوة وبالقوة العارية لاستعمار استيطاني من كيان استزرع في وطنهم التاريخي، ولا تجمعهم به صلة من أي نوع، وهم في كل حال شعب معترف له بالحق في التحرر والاستقلال وتقرير المصير والدولة، وعلمهم يرفرف إلى جانب أعلام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؟ على رغم هذه الحقائق والحيثيات، فإن مقاربة الدولة العراقية لقضية الأكراد، سمحت لهم بمساحة من التسيير الذاتي في الإدارة والتشريع واستغلال الموارد الجهوية، على نحو لا يمكن القياس عليه حين نستحضر حدود السيطرة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وانتهاكها حقوقه الفردية والجماعية بكل المعاني المتصورة. إيجازاً، تتجلّى مفارقة عوار التعامل الإسرائيلي مع القضيتين، الكردية والفلسطينية، في أن تل أبيب هي، على حدّ العلم، العاصمة الوحيدة في عالمنا المعاصر التي تسبغ على العراقيين الأكراد الحقّ في الانفصال والاستقلال الكامل، فيما أنها في الوقت ذاته وحيدة العصر والأوان، التي تضطلع بآخر نماذج استعمار دولة أخرى بالكامل اسمها فلسطين وتجتهد لابتلاع أرضها، وبعثرة شعبها ومطاردة مؤسساته وأطره التنظيمية والحيلولة دون استقلاله، في ما يعرف بحلّ الدولتين خلافاً لإرادة الدنيا بأسرها. يحدث هذا على رغم دراية نخب الحكم والسياسة في إسرائيل بما يجمع بين الأكراد وسواد العراقيين من وشائج، ودرايتهم بما يفرّق بين اليهود الصهاينة المستوطنين، المستجلبين من أرجاء المعمورة، وبين الشعب الفلسطيني. نتأكد أكثر من وجود هذا العوار الكبير والسلوك الانتقائي المرضي، في ضوء عدم اكتراث السياسة الإسرائيلية بنزعة استقلال إقليم كتالونيا عن الدولة الإسبانية، على رغم تشابهها المحتمل مع ما يعتمل في كردستان العراق، وتزامن الاستفتاء في الإقليمين على الانفصال عن الوطن الأُم. نحن، والحال كذلك، إزاء مقاربة إسرائيلية مسمومة لا صلة لها مطلقاً بالقيم والمبادئ الحانية على «استقلال شعوب أو أقليات مضطهدة». الأمر وما فيه هو أن إسرائيل تسعى إلى إيجاد نظائر لها من كيانات منمنمة، تدور في فلكها وتسبّح بحمدها وتجعلها تبدو عملاقاً في إقليمها. من بين ما يدعو إلى الأسى في هذا السياق، عجز مَن يعتبرون أنفسهم أبطالاً وزعماء للأقليات في الرحاب العربية عن قراءة هذه السياسة الصهيونية الإسرائيلية البالغة الخبث. يقول مسعود بارزاني إن «إسرائيل وكردستان وجنوب السودان، تعدّ مكوّنات شاذة تحاصرها الدول العربية، ولن يسمحوا بأن يكونوا ضحايا للعنف». لقد خلط الرجل الحابل بالنابل، وأوقع نفسه خلال سطرين في بحر مِن أخطاء مطالعة محيطه الإقليمي تاريخياً وثقافياً وجغرافياً وديموغرافياً وسياسياً. والأهم أنه لوى عنق حقيقة تخرق الأعين، هي أن جنوب السودان، الذي سبق كردستان إلى الانفصال والاستقلال قبل بضع سنين، غارقٌ الآن في لجّة من التخاصم والعداء والاقتتال الدموي الداخلي، بما أدى إلى تشريد نصف الجنوبيين وإيرادهم موارد التهلكة، وقد لا نبالغ إن ذهبنا إلى أن كثيرين منهم يترحّمون الآن على زمن السودان الواحد. وددنا لو أن الزعيم الكردي فطِن إلى معنى تزويد إسرائيل القوى المتحاربة في جنوب السودان بالسلاح والعتاد، تماماً كما كانت تفعل معهم وقتَ أن كانوا شركاء في معسكر واحد ضد السودان الأُم. على ذكر محاولة الانفصال الكتالونية والباسكية ونحوها في إسبانيا وغيرها من الدول الأوروبية، مثل إقليمي إسكتلندا وإرلندا في بريطانيا، يلح على الخاطر أننا قد نكون إزاء بضاعة الأوروبيين وهي في طور الارتداد إليهم. فهم التزموا طويلاً فكرة تجزئة عوالم الآخرين، ومنها العالم العربي، إلى دويلات وفق الملل والنحل والطوائف الأولية المنمنمة أو المهجورة والهويات الأولية الساكنة. هذه مسألة تحتاج إلى المتابعة ومزيد من المدارسة.     * كاتب فلسطيني

مشاركة :